07‏/05‏/2011

اللغة العربية



اللغة العربية
اللغة العربية هي أصعب اللغات وأعقدها، وهي أقدمها وأكملها، وهي أفصحها وأوضحها،
حفظها الله بكتابه ، ونزل بها وحيه على رسوله،
ولا يقترب من اللغة العربية من بين جميع اللغات السائدة والبائدة، إلا اللغة الألمانية، التي تأتي بعد اللغة العربية بدرجات،
نظراً لما في اللغة الألمانية من القواعد والقليل من الإعراب، ولكنها لا تصل إلى مستوى اللغة العربية في إكتمال قواعدها، وإحكام إعرابها، وكثرة مفرداتها، وإحاطة معانيها، وتعدد جذورها وإشتقاقاتها، وحبكة بنائها، وجمال أسلوبها، وتنوع صيغها وأساليبها، من الإستعارات اللفظية، والجماليات اللغوية، من سجع، وطباق، وغير ذلك.
إلا أن العرب وللأسف أهملوا هذه اللغة التي تعتبر من أعظم كنوزهم، ولم يحافظوا عليها، ويجاروا بها مقتضيات العصر الحديث، من كثرة مخترعات، تتطلب أسماءً وأوصافاً مبتكرة،
وقد أصبحث بعض الكلمات والمسميات من اللغات الأخرى شائعةً لدى الكثير من متحدثي العربية، وأصبح إستخدام مثل هذه الكلمات والعبارات والألفاظ والمسميات منتشراً ومتجذراً ، مما أثر على اللغة العربية، وشوه جمالها، وإنتقص من كمالها،
والسبب في ذلك تقصير المعتنين باللغة، والموكلين بالحفاظ عليها، مثل المجامع اللغوية، عن اللحاق بركب التقدم في المسميات والألفاظ والإشتقاقات، وأصبحوا يستخدمون الكثير من المسميات لبعض المخترعات الحديثة، في حالٍ مستكين، وعجزٍ مشين، وكسلٍ واضح، وكأن اللغة العربية لم تعد قادرة على الإحاطة والإلمام بالقليل من المسميات لبعض المخترعات الطارئة، وكأننا أصبحنا عاجزين عن الإبحار في محيط اللغة العربية، وإستخراج العبارات، وإستنباط المسميات، من بحر المعاني والألفاظ الذي تزخر به،
ولا يفوتني بمناسبة هذا الموضوع أن أشيد بترجمة الشيخ (علي الطنطاوي) رحمه الله لكلمتي (تلفزيون و راديو) الشائعتين بيننا، والتان لم يتم ترجمتهما، شأن الكثير من الكلمات، وكأن اللغة العربية، وهي أعظم اللغات، تزخر بالكلمات، وتحيط بالمعاني، قد عقمت عن ترجمة بعض الكلمات القليلة، التي يشيع إستخدامها في العصر الحديث.
حيث ترجم كلمة (تلفزيون) إلى كلمة (رائي) وهي كلمة جميلة مختصرة خفيفة ومعبرة، فالتلفزيون يُرِي أي يعرض، ويُرَى أي يُشاهَد،
فهو (رائي).
وترجم كلمة (راديو) إلى كلمة (راد) وهي كلمة خفيفة ومعبرة كذلك،
فالراديو يعكس الموجات التي تبث من المحطات وتنعكس على الأرض من طبقات الجو العليا، مع ما لكلمة (راد) كذلك من علاقة برد الصوت الذي يرتبط بعمل الراديو،
فهو (راد).
فيجب أن نحرص على أن نستخدم هذه الترجمة، ونكف عن تريد الأسماء الإنجليزية الثقيلة، التي جرت على ألسنتنا دون مبرر.

يقول حافظ إبراهيم، متكلماً على لسان اللغة العربية، وهي تنعى حظها العاثر، بسبب عجز متحدثيها عن الإلمام بها، وإحسان إستخدامها، والمحافظة عليها :

رَجَعْتُ لنفسي فاتَّهَمْتُ حَصَاتي
وناديتُ قَوْمي فاحْتَسَبْتُ حَيَاتي
رَمَوْني بعُقْمٍ في الشَّبَابِ وليتني
عَقِمْتُ فلم أَجْزَعْ لقَوْلِ عُدَاتي
وَلَدْتُ ولمّا لم أَجِدْ لعَرَائسي
رِجَالاً وَأَكْفَاءً وَأَدْتُ بَنَاتي
وَسِعْتُ كِتَابَ الله لَفْظَاً وغَايَةً
وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بهِ وَعِظِاتِ
فكيفَ أَضِيقُ اليومَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ
وتنسيقِ أَسْمَاءٍ لمُخْتَرَعَاتِ
أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ
فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتي
فيا وَيْحَكُمْ أَبْلَى وَتَبْلَى مَحَاسِني
وَمِنْكُم وَإِنْ عَزَّ الدَّوَاءُ أُسَاتي
فلا تَكِلُوني للزَّمَانِ فإنَّني
أَخَافُ عَلَيْكُمْ أنْ تَحِينَ وَفَاتي
أَرَى لرِجَالِ الغَرْبِ عِزَّاً وَمِنْعَةً
وَكَمْ عَزَّ أَقْوَامٌ بعِزِّ لُغَاتِ
أَتَوا أَهْلَهُمْ بالمُعْجزَاتِ تَفَنُّنَاً
فَيَا لَيْتَكُمْ تَأْتُونَ بالكَلِمَاتِ
أَيُطْرِبُكُمْ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِ نَاعِبٌ
يُنَادِي بوَأْدِي في رَبيعِ حَيَاتي
وَلَوْ تَزْجُرُونَ الطَّيْرَ يَوْمَاً عَلِمْتُمُ
بمَا تَحْتَهُ مِنْ عَثْرَةٍ وَشَتَاتِ
سَقَى اللهُ في بَطْنِ الجَزِيرَةِ أَعْظُمَاً
يَعِزُّ عَلَيْهَا أَنْ تَلِينَ قَنَاتي
حَفِظْنَ وَدَادِي في البلَى وَحَفِظْتُهُ
لَهُنَّ بقَلْبٍ دَائِمِ الحَسَرَاتِ
وَفَاخَرْتُ أَهْلَ الغَرْبِ وَالشَّرْقُ مُطْرِقٌ
حَيَاءً بتلكَ الأَعْظُمِ النَّخِرَاتِ
أَرَى كُلَّ يَوْمٍ بالجَرَائِدِ مَزْلَقَاً
مِنَ القَبْرِ يُدْنيني بغَيْرِ أَنَاةِ
وَأَسْمَعُ للكُتّابِ في مِصْرَ ضَجَّةً
فَأَعْلَمُ أنَّ الصَّائِحِينَ نُعَاتي
أَيَهْجُرُني قَوْمي عَفَا اللهُ عَنْهُمُ
إِلَى لُغَةٍ لم تَتَّصِلْ برُوَاةِ
سَرَتْ لُوثَةُ الإفْرَنْجِ فِيهَا كَمَا سَرَى
لُعَابُ الأَفَاعِي في مَسِيلِ فُرَاتِ
فَجَاءَتْ كَثَوْبٍ ضَمَّ سَبْعِينَ رُقْعَةً
مُشَكَّلَةَ الأَلْوَانِ مُخْتَلِفَاتِ
إِلَى مَعْشَرِ الكُتّابِ وَالجَمْعُ حَافِلٌ
بَسَطْتُ رَجَائي بَعْدَ بَسْطِ شَكَاتي
فإمَّا حَيَاةٌ تَبْعَثُ المَيْتَ في البلَى
وَتُنْبتُ في تِلْكَ الرُّمُوسِ رُفَاتي
وَإِمَّا مَمَاتٌ لا قِيَامَةَ بَعْدَهُ
مَمَاتٌ لَعَمْرِي لَمْ يُقَسْ بمَمَاتِ

فمتى نعي أننا نمتلك كنزأً لا يقدر بثمن،
يرتبط بوجودنا، وبديننا، وبهويتنا الوطنية والثقافية،
ويجدر بنا المحافظة عليه،
فاللغة سر الهوية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

نرحب بجميع وجهات النظر
فلا تبخلوا بتعليقاتكم