07‏/03‏/2009

البدوي الأخير

 

ربما لايعلم البعض أن هناك شاعر من الجزيرة العربية يعيش في البادية وقد أتي مستشرق هولندي فتعرف علية وألف كتاباً عنه سماه البدوي الأخير إختار هذا الشاعر من بين جميع شعراء القبائل الآخرين ليكون نموذجاً للبدوي الأصيل ( علماً بأن قبيلة الدواسر قبيلة متحضرة تملك المدن والقرى والمزارع العظيمة وأرضهم من أخصب أراضي الجزيرة العربية ولكنها كذلك تجمع مع الحضارة البداوة حيث يشكل الربع الخالي بمساحته الكبيرة مراعي لأبلهم وتعتبر ديارهم أكبر ديار القبائل في الجزيرة العربية على الإطلاق حيث تشكل ربع مساحة نجد تقريباً ) هذا الشاعر العظيم من هذه القبيلة العظيمة هو الشاعر عبدالله الرجباني الدوسري الملقب ( الدندان ) .
المؤلف والكتاب :
الهولندي مارسيل كوربرشوك في كتابه "البدوي الأخير" يظهر إعجابا يفوق الدهشة بما يسمى عادة في الادبيات الإستشراقية والإنتربولوجية ، بـ "المتوحشين النبلاء" الذين يراهم كوربرشوك أصيلين نبلاء يقول شوك " إن السطوة والنفوذ والجاه جزء يكاد يكون بديهيا من تراثهم وبالتالي هم يتحركون في العالم بسهولة حيث الكرم الطبيعي والوقار الهادئ اللذان يخلط أحيانا بينهما وبين التواضعهما من شمائل النبل الاصيل" ص 31. إلى أرض النبل الاصيل وإلى كثبان الربع الخالي في السعودية التي يراها شوك على حالة ذهنية أكثر منها شتاتاً قبلياً وصحارى تمتد أبعد بكثير من حدود المملكة إلى "سقط اللوى بين الدخول فحومل" في وادي الدواسر حيث ملاعب إمرئ القيس وعشيقته عنيزة "ولما دخلت الخدر خدر عنيزة" والتي لم تطئها رجل رحالة من قبل ولم يسع أحد من الرحالة أو المستشرقين او الإنتروبولوجيين بين جبلي الدخول فحومل إلى شمر في الشمال حيث رضا بن طارق الشاعر الذي ما زال يتنقل بقطعانه عبر الحدود السعودية – العراقية والذي يصفه شوك بأنه من أعظم الخبراء في التاريخ التقليدي لقبيلة شمر إلى الدواسر جنوبا حيث التجربة المريرة لجون فيلبي الذي وطأت أقدامه هذه الارض في العام 1918 م وكذلك في العام 1932 م بعد إعتناقه الإسلام (أصبح إسمه عبد الله فيلبي) بسبب تمسك الدواسر الشديد بالإسلام وعدم تقبلهم للغرباء وحيث الذكرى المؤلمة للبريطاني ويلفريد تيسيغر الذي القي القبض عليه من قبيلة الدواسر عند عبوره الربع الخالي واقتيد أسيراً إلى ليلى القرية الكبيرة وإحدى عواصم الدواسر وحيث الشاعر الدندان الذي يجوب الصحراء في وادي الدواسر الذي يصفه شوك بـ " الشاعر البدوي الكبير "(ص 189) إلى كل هذا يشد كوربرشوك رحله متصورا نفسه وكأنه روبنسون كروزو هذا الزمان. هذا الإحساس لم يفارقه قط، فعلى إمتداد عامين قضاهما بين شمال السعودية وجنوبها وغربها، ظل مارسيل كوبرشوك يعد نفسه على طريقة كروزو يقول "على امتداد عامين أعددت نفسي لكي أجرف، كما جرف كروزو، إلى هذه الرقعة العذراء" وعلى إمتداد أعوام طويلة سبقت رحلته وساهمت في إعداده لحفظ مكنوزات البدو ومعلقاتهم الشعرية الطويلة ظل شوك ينهل من المكتبة الصلبة والصلدة للإستشراق لنقل من مطارحات عبد الله فيلبي عن الربع الخالي، مهتديا بـ "لورانس العرب" وفتوحاته فعلى خطى لورانس يسير كوربرشوك كان لورانس العرب كما كان يلقب مهتما برسم سلم يجمع بين القبائل كما يذكر في "اعمدة الحكمة السبعة" ها هو كوربرشوك يسير على خطاه كما يذكر "على خطى لورنس بدأت العملية الشاقة لبناء سلمي الخاص" هذا السلم الخاص الذي يميز خطى كوربرشوك عن خطى لورانس فقد كان لورانس يحلم ببناء حلف سياسي بين القبائل للسعي الى تفكيك الإمبراطورية العثمانية أما كوربرشوك فيرمي إلى إكتشاف المكنوز القبلي الشعري الذي يوحد القبائل في نشاطها اليومي وفي الحقيقة فإن عمل كوربرشوك يتجاوز الكثير من الاعمال الإستشراقية لصالح الإنتروبولوجيا ولكنه يعد إستكمالا لها من نواح عديدة إستكمالا لنقصها وتصحيحها لها فهو لا يشغل موقع الضابط أو الإداري في الإدارة الإستعمارية كما هي الحال مع فيلبي أو لورانس أضف إلى ذلك طبيعة الإهتمام الموجه إلى قوة الكلمة المنطوقة بين البدو ومدى حضورها بصورة ادق إلى الشعر البدوي الذي يراه كوربرشوك على أنه سجل لتاريخ الجزيرة العربية فالفن في المجتمعات القديمة كما يلاحظ الإنتروبولوجي الفرنسي كلود ليفي ستروس هو نشاط يومي يمارسه الجميع وهذا ما يراه كوربرشوك : "الشعر في الجزيرة العربية نشاط يومي يمارسه الجميع" ويضيف بقوله : " كما أن الشعر في الجزيرة العربية ليس ثقيلا ليكون بالتالي مملاً من أكثر الاشياء طبيعية عند السعودي ان ينعش حديثه بالتحول الى شكل القصيد ثم يعود الى موضوع الحديث في أثناء الكلام" الشعر نشاط يومي عند البدو وقاسمهم المشترك في افراحهم واتراحهم في مآثرهم وأيامهم التليدة في غزواتهم وكذلك في مسامراتهم والشعر عندهم كالنسب يحفظونه عن ظهر قلب ويصونونه ضد عاديات الزمن فالذاكرة الشعبية البدوية الشفاهية لا تخون النص الشعري بل تحفظه وتصونه لأنه السجل الكامل لماضيها التليد في غزواتها ومآثرها التليدة " يلفت نظرنا شوك الى الطريقة التي تحفظ فيها هذه الكنوز يقول :" إن الذاكرة الجميلة للقبيلة توفر ضمانة ضد إساءة إستعمال التراث الشعري فالقصائد كالنوى في التمر تكمن صلبة في رداء الحكايات الزائل" ص 48 وهو بذلك يرد على وجهة النظر التي ترى أن المجتمعات الشفاهية يتعرض أدبها بإستمرار للكثير من التحريفات التي تغير في مضمونه ورسالته .
الشاعر ( الدندان ) :
هو الشاعر :- عبدالله بن محمد بن حزيم الحرارشة الرجباني ( رحمة الله عليه الملقب بالدندان .
نسب الشاعر :- هو ( عبدالله بن محمد بن حزيم الحرارشة ) من قبيلة ( الرجبان ) من قبيلة ( الدواسر ) الكبيرة والمعروفة .
ميلاده :- يقال أنه ولد في تاريخ ( 1335 هجري ) في مدينته ( اللدام ) وهي مدينة معروفة من أشهر مدن ( وادي الدواسر ) والتي كان يقطنها جماعته من قبيلة ( الرجبان ) ومنها إنتقل الى البادية وهو في أول شبابه وكان محاط بمجتمع قبلي وتطبع بطباع هذا المجتمع البدوي حتى توفاه الله
سيرة حياته :- عاش( الدندان ) رجلاً وحيداً لم يتزوج يقضي معظم وقته مع ذوده من الإبل ( لا يتجاوز عددها 40 ناقة ) والإعتناء بها ويتنقل بها في وادي الدواسر طلباً
للماء والكلأ وهو رجل محترم معروف بين جماعته وأبناء قبيلته ( الدواسر ) وشهرته وصلت الى آفاق المناطق من (عالية نجد ) إلى منطقة ( نجران ) . وشعره الحماسي ألهب أبناء قبيلته ( الدواسر )عندما كانت القبائل تثور لأدنى الأسباب عندما كانت الجزيرة العربية لا تخضع لقانون أو سلطة معينة .
وفاته :- توفى الشاعر ( الدندان ) في تاريخ ( 24-12-1418هجرية ) وذلك بعد أن أصيب ( بحرق ) بسيط في رجله جراء حريق إندلع في الخيمة التي يسكن فيها ليلة ( عيد الأضحى ) وتم نقله إلى مستشفى ( وادي الدواسر ) وعملت له عملية ولكنها لم تنجح ( رحمة الله عليه ) .
علاقة الشاعر ( الدندان ) بالمستشرق الهولندي :- في الحقيقة أن هناك من يعتقد بأن المستشرق الهولندي ( كوربر شوك ) قد أتى إلى ( وادي الدواسر ) خصيصاَ من أجل الشاعر ( الدندان ) ، ولكن هذا الكلام خاطيء ، فالسبب الحقيقي لقدوم المستشرق الهولندي هو ( لدراسة قبيلة الدواسر وواديهم المعروف ) ، وكانت الصدفة أن جمعت الإثنان فحدث بينهما لقاء وحديث ومعرفة ، وكانت هناك أواصر محبة وصداقة خالصة من القلوب تجمع الأثنين ، وما سهل هذه الأمور وجعل الصداقة تكبر وتنموا في قلب هذا المستشرق الهولندي ( أنه كان يجيد اللغة العربية بطلاقة ) مما سهل عليه عملية التخاطب مع هذا الشاعر الكبير ، كما أن المستشرق الهولندي قابل أكثر من شاعر من قبيلة الدواسر ، وقام بالكتابة عنهم وعن أشعارهم ، ولا يتسع بنا المقام لذكر أسمائهم ، وما يجدر ذكره أن المستشرق الهولندي ( مارسيل كوربرشوك ) قد قضى (10) عشر سنوات متقطعة في بحثه ودراسته عن ( قبيلة الدواسر وواديهم ) وكان يأتي كل سنة لمدة بضعة أسابيع ثم يغادر ، حتى ألف في السنة الأخيرة من زيارته كتاباَ أسمه ( البدوي الأخير ) وهو بذلك يقصد الشاعر ( الدندان ) رحمة الله عليه . كوربر شوك
قصائده :- كان يغلب الطابع الغزلي على قصائد ( الدندان ) في شبابه ، وما أن لبث أن تحول من الشعر الغزلي ( يقال أنه تركه بسبب حالة حب لم تنجح ) إلى الشعر الهجائي وإلى الشعر الحماسي الخاص بالفخر ، وأغلب قصائده الأخيرة من حياته كانت تدور حول ( الإبل ) التي كان يعشقها ، وهو من أفضل من نظم في الإبل من الشعراء العاميين في وقته .
مجموعة من قصائده :
أنا هاض ما بي أعوذ بالله من الشيطان
أفصل علـى شفـي بكيفـي ولا فيَـه
لفانا الكلام وشفت أنا الحال مني شـان
قضى ما خذى حالي من الطيب مثنيَـه
عزي لمن هو كل يوم وهو في شـان
كثير الحثايم لا بدى لـه شفـى نيَـه
فيا مل قلبٍ حـل فيـه الدبـى الحنـان
جثيله علـى قلبـي تعاقـب معاشيَـه
يالله ياللي كـل مـا راد بأمـر كـان
ألنـك تعاونـي ليـا جازلـي نـيَـه
أنا وين أدور لي مع ذا اللسـان لسـان
يعاون لسانـي لا يبيـن الخلـل فيَـه
أنا بأحمد الله يوم جالي على مـا زان
تهيض العبار اللي مـن العـام مكنيَـه
تفهمت في قافٍ ومرني بـه الرحمـن
تلاحـت مزاميـره وغـارت مراكيَـه
طرالي جميع اللي يطري وهو ما كـان
ليا فاح صدري مثل فـوح الحساويَـه
سحنت الجبال دواء ولا تكحل البرمـان
وجميع الشجر ما ميـل العيـن هاذيَـه
كليت القمر والشمس وأمسيت أنا جيعان
ولاعاد به شن آكله عزتا ليه
كليت السنين وكاسرٍ بيـرق الشيطـان
وشربت الهبايب والجنون سجدت ليَه
لبست النهار ثويب خام على الأمتـان
وسود الليالي لـي بشـوت شماليَـه
وجمعت النجوم ونية الخبـث للعـدوان
على شان أبيهم يسكنـون الحراميَـه
وتراني دخيل الله وليي عظيم الشـان
وباقي الخلايق ما لهم عنـدي دعيَـه

هوالذريب اله العلـوم الطيباتـي


ومن قصائده - قصيدة من النوع المروبع - وتغنى على ظهر الأبل ) :
يا نديبي فـوق عمانـي
نضو يرعى به الدندانـي
ياطا بفجـوج الحزمانـي
مـا ينـذاد الا باللاحـي
نضـوٍ عجـل لا من درهـم
مثل الجني لامـن أرهـم
لا لا حبله يوم إستبـرم
كان اللي فوقه قد طاحـي
هيض عيني فـي فزاتـه
قـد عذبنـي بملاواتـه
عجل زولـه فـي فجاتـه
لا من دفلج من مراوحي
جود مسك في مصلابـه
وأحذر عمـرك ياركابـه
وألزم حبله يـا قضابـه
لا من هـاوز للجماحـي
أما كنـه هيـق غـايـر
وألا كنـه طيـر طايـر
يهوي من روس الجداير
لا منه شاف الملواحـي
يسرح من لمـة فريقـه
لا منه أحمى في طريقـه
يخلف رأيك من زريقـه
كنه خطوى نجم طاحـي
كن الفند الناعـم ساقـه
وأخبر لا لا قـو حلاقـه
ما يبقـى عليـه علاقـه
يطوي ديـان البراحـي
ما ينغـط ليـا غطيتـه
يعجب عينـك لا تليتـه
ها ثم تلـك ثـم أرخيتـه
كن يديه يـدي سباحـي
أحمر لونه مشيه بـارع
كنه خطوى هيق خـارع
ما ينذاد لقـرع القـارع
عجه كنه زرق رماحـي


ومن قصائد الغزل الشريف :

شايبن والقلب يرجي فالبـذار
هوده انه يرجع اللي كان فاتـي
ول ياقلبن تزايـد فـي عبـاره
وان نهيته ماحصل عنده ثباتي
غاصبه بالعقل ولا انه خبـاره
ناصحه دون الخطا بالمقدياتـي
بكرتي خبي عساك لله مجـاره
جارك الله ما يجي رجلك حفاتي
العبي للجري في حامي قـراره
لعب غرثان البنـي المترفاتـي
لعب رسمه يومها فالبيض شاره
فرقها جور علا شقح البناتـي
عينها عين أسمر حقق مطـاره
في طويلات الرجوم النايفاتـي
دامل صافي عفاره بالصفـاره
والجدايل للـردوف منقضاتـي
والمناكب مثل ممطور الزبـاره
والنهود من الجبين مزبراتـي
والردايف مثل شط في حـواره
بين ظيرين عليهـا مهملاتـي
حقها جهالك ترى للعلـم شـاره
ترتحل للزين شيخات البناتـي
عند منعور صبـور بالخسـاره

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

بصراحة موضوع رائع وكتاب جميل جدا
بس اذا ممكن تحكيلي من وين احصل ع الكتاب اذا عندك فكرة راسلني على الايميل
hussam_zo3bi@yahoo.com

إرسال تعليق

نرحب بجميع وجهات النظر
فلا تبخلوا بتعليقاتكم