29‏/07‏/2012

آداب الحوار وفن الإنصات



آداب النقاش وفن الإنصات

قبل أن أبدأ هذا المقال،
أود أن أوضح أنني عندما أتطرق لبعض السلبيات في المجتمع، فإن هذا لا يعني أنني براء منها، ولكن التجرد من الذات، والنقد المجرد للسلبيات، هو الخطوة الأولى نحو التغير، وهو أفضل من عدم الوعي بالواقع، فالوقوف على عتبة التجلي، خيراً من الإنصرام مع الضبابية، ومجرد نقد واقع الحال، أفضل من عدم إدراك الظلال،
وينطبق ذلك على جميع السلبيات الصغيرة والكبيرة على السواء،
هذا الموضوع يتناول إحدى السلبيات في مجتمعنا، الذي نطمح أن يكون من أفضل المجتمعات .

آداب الحوار وفن الإنصات :

من الملاحظ أن الغالبية من أفراد المجتمع
لا تعرف أدب النقاش، ولا تعي الهدف منه،
ولا تجيد فن الإنصات، ولا تقدر أهميته،
فعندما يدور نقاش بين مجموعةً من المتناقشين يلاحظ عدد من السلبيات التي تجعل النقاش مجرد لجاجة لا نفع منها، ونقاش بيزنطي لا نهاية له، ومن السلبيات التي يمكن أن تلاحظ غالباً عندما يدور نقاش بين أفراد المجتمع ما يلي :

١- محاولة كل شخص من الحاضرين الإستئثار بالحديث دون سواه، حيث يرغب كل واحداً منهم تسلم دفة الكلام، وكأنها معركةً للإستحواذ على الإنتباه، وتبارياً للفت الأنظار،
بينما الواجب أن ينتضر كل شخص دوره في الحديث، ثم يأخذ حقه كاملاً إذا تحدث .

٢- مقاطعة المتحدث دون سبب وجيه، وهذا ينافي أبسط قواعد آداب النقاش، وفن الإنصات،
حيث يجب على الجميع الإنصات حتى يفرغ المتحدث من حديثة، لإتاحة الفرصة له لإيصال فكرته بشكل صحيح، وإيضاحها بشكل كامل، ولا يمنع ذلك من بعض التعليقات والإستيضاحات الضرورية بين الحين والآخر إذا كانت تدعم النقاش .

٣- اللجاجة، حيث ترتفع الأصوات، وقد يصاحب ذلك بعض الحدة في الكلام، وقد يصل ذلك إلى سوء الألفاظ،
بينما المفترض أن يسود الهدوء، وأن يكون النقاش في جو ودي، بعيداً عن الإنفعالات المبالغ فيها، والتشنجات الغير مبررة، والأصوات المرتفعة، والكلمات النابية .

٤- تشعب النقاش، حيث يتم القفز من موضوع إلى موضوع آخر، وفي مدد قصيرة، ولا يتم التركيز على الموضوع الرئيسي مجال الحوار، فيتشعب النقاش، ويتشوش التفكير، وينقطع حبل الأفكار،
بينما الواجب أن يتم التركيز على موضوع واحد للحفاظ على صفاء الذهن، ولمراعاة تسلسل الأفكار، حتى يتم الخروج بنتيجة إيجابية، وأفكار ملموسة، وفائدة مرجوة، وعند الإنتهاء من النقاش في أحد المجالات يمكن الإنتقال إلى مجال آخر،
حيث يجب أن يأخذ كل موضوع حقه من الوقت والإهتمام .

٥- الحكم على أفكار الشخص من واقع الإنطباعات الشخصية عنه لدى الموجودين، بينما المفترض أن يتم التغاضي عن جميع الإنطباعات الشخصية التي تتعلق بالشكل، أو بطريقة الحديث، أو بأسلوب النقاش، والتجرد من جميع الخلفيات السابقة، الناتجة عن ترسبات شخصية، والإهتمام بالأفكار البحتة التي تتعلق بأفكار المتحدث بشكل خاص .

٦- شخصنة النقاش، حيث يتوجه المعارض لشخص المتحدث، وينسى أصل النقاش، فيبدأ بالإنتقادات الشخصية، وربما تطور الأمر إلى التجريح فيه، ومحاولة تسفيه كلامه، والتقليل من شأنه،
بينما الواجب أن لا يتم التركيز على شخص المتحدث، بل الإهتمام بأفكاره، ومناقشتها بعيداً عن شخصيته التي تخصه، وحده، ولا تؤثر على نتيجة النقاش .

٧- عدم التدرج في النقاش، وعدم تقسيمه إلى نقاط متسلسلة بشكل مرتب ومنطقي، بينما المفترض أن يتم تقسيم الموضوع مجال النقاش إلى عدد من النقاط، وتركيز النقاش في كل مرحلة على نقطه معينة، وبعد التوافق على رأي محدد حولها، يتم الإنتقال إلى النقطة التي تليها، وبذلك يجري النقاش بشكل مرتب، ويستمر بشكل إيجابي، وينتهي بفائدة ملموسة .

٨- التمسك بالرأي، واعتقاد كل شخص بأنه يخوض معركة لا بد أن يخرج منها منتصراً، وأن عدم إثبات صحة فكرته يعتبر هزيمة شخصية له، يحاول أن يتحاشاها قدر المستطاع، وهذا الإعتقاد ناتج عن أمرين :
الأول : ربط فكرة الشخص بشخصيته، فإن فشل في إثباتها فإنه يفسر ذلك ويعتقد أن الآخرين يفسرونه كذلك بأنه فشل شخصي له .
الثاني : عدم الإهتمام بالفكرة ذاتها، والإهتمام بإثبات رأيه الشخصي فيها، عندها لا يكون مهتماً بالحقيقة، قدر إهتمامه بإثبات وجهة نظره الشخصية .
والواجب أولاً :
أن يفصل الشخص الفكرة أو الموضوع محل النقاش عن شخصيته، ويعتبر الموضوع أمراً مجرداً لا يمسه شخصياً .
ثانياً : الإهتمام بالفكرة الأساسية، وعدم التركيز على إثبات رأيه الشخصي فيها، عندها سوف يكون إهتمامه الأول والأساسي بالحقيقة، ولا يعود لديه مانع من التراجع عن فكرته فور إكتشافه خطأ إعتقاده، وصواب الرأي الآخر، فيصبح المهم هو الحقيقة المجردة ، والفائدة المرجوة، والصالح العام .
آمل أن لا يعتقد البعض أن تلك القواعد لا تنطبق إلا على المفاوضات المهمة، والمناقشات الرسمية، وأن النقاشات الإعتيادية، على الموضوعات البسيطة لا تستحق ذلك، فهذا غير صحيح، فمن المفروض تطبيق تلك الملاحظات والقواعد على جميع الحوارات، حتى البسيطة منها، لنتعلم الخروج بفائدة من النقاش في موضوع محدد، وتكوين رأي عام موحد، ونتجنب اللجاجة دون قاعدة، والبيزنطية دون فائدة، ونتعلم حسن التعامل، الذي يتجسد في أوضح صوره في فن إدارة النقاش، حيث نكتسب أبسط قواعد التحضر، ونمتلك أهم أسباب التطور.
إن الحد الأدنى من المرونة في النقاش،
يتجسد في المقولة المشهورة، أو القول المأثور التالي :
(رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).


 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

نرحب بجميع وجهات النظر
فلا تبخلوا بتعليقاتكم