03‏/01‏/2010

سيرن مرة ثانية





50 عاماً على "سيرن"




تعود فكرة إنشاء المركز الاوروبي للأبحاث النووية "سيرن" إلى عام 1954، عندما رأي الأوروبيون أن أبحاث الطاقة النووية بحاجة إلى مركز ضخم يتناسب مع أهميتها. وتتجمع تحت سقفه خيرة العقول العاملة في هذا المجال. وتزامن تأسيس هذا الصرح العلمي الكبير مع خروج أوروبا من حربين عالميتين طاحنتين وبداية التعاون الأوربي على الصعيد الاقتصادي.
وكانت سويسرا من أول الدول التي وقعت اتفاقية تأسيس هذا المركز العلمي مع إحدى عشرة دولة أوروبية أخرى. ويقول روبرت أيمار، مدير المركز الأوربي للأبحاث النووية في حديثه مع سويس انفو، إن الدول الأعضاء أعطت الإشارة إلى المركز بأن يقوم بعمله مستخدما أعلى درجات الكفاءة في مجال فيزياء الجزيئات. وكان هذا علامة واضحة على أن الدول الأوروبية جادة في طريقها لنبذ الخلافات بينها وعازمة على مستقبل قوي للقارة.
وينتسب أغلب العاملين في "سيرن" إلى 20 دولة أوروبية بما في ذلك أيضا شرقي القارة، ومن بينها دول ستدخل الاتحاد الأوربي هذا العام، أو مرشحة للالتحاق به، وهو ما يعادل نصف المشتغلين بفيزياء الجزيئات في جميع أنحاء العالم.



وفي هذا الصدد يقول البروفيسور أيمار مدير سيرن ، بأنه ليس من قبيل المصادفة أن يكون هذا العدد الكبير من رعايا الدول الأوروبية من العاملين في المركز، فهذا يوضح بأن التعاون العلمي يمكن أن يشكل طريقا واحدا تتقارب فيه الأفكار، ومما ينعكس أيضا على التقارب السياسي.
آثاره في الفيزياء ... ومجالات أخرى
وقد بنى سيرن شهرته ليس فقط من خلال ضمه لنخبة من علماء الفيزياء من أوروبا ومختلف بقاع الأرض، بل أيضا بفضل إنجازاته التي استفاد العالم بأسره منها.
فمن المركز الأوربي للأبحاث "سيرن"، خرجت الشبكة العنكبوتية المعروفة الآن بالانترنت إلى الحياة، وهناك عرفت لغة HTML المستخدمة في تصميم وكتابة مواقع الإنترنت طريقها إلى النور.
كما إنتقلت أبحاث العاملين في "سيرن" في مجال تطوير سرعة أجهزة الحاسبات الآلية (الكمبيوتر) إلى المواطن العادي. ولم يحتكر علماء سيرن معظم ما توصلوا إليه لحساباتهم فقط، بل نشرونه لتعم الفائدة على العالم أجمع.
وفي خضم احتفالات "سيرن" بمرور نصف قرن على تأسيسه، تتجه الأنظار إلى المعجل النووي العملاق Large Hardon Colloder LHC، الذي يشكل انطلاقة جديدة في فصل الجزيئات عن بعضها البعض، حيث سيكون أكبر وأسرع معجل في العالم بأسره وفي تاريخ علم الفيزياء بصفة عامة. ويعول العلماء على بدء تشغيله في عام 2007، ليشهد العالم تدشين أكثر الأجهزة العلمية تعقيداً على الإطلاق.



مشاريع طموحة
ومن أبرز الأسئلة التي ينتظر العلماء الخروج بإجابة عنها بعد تشغيل هذا المعجل النووي العملاق، هو الكشف عن طبيعة ومصدر أوزان الجزيئات، وهو اللغز الذي لا يزال محيرا حتى الآن ولم يجد له الباحثون إجابة شافية.
وفي أجندة علماء "سيرن" الكثير من الأبحاث التي من شأنها أن تلقي الضوء على جوانب غامضة في الكون وأسرار الحياة، مثل طاقة الكواكب والمجرات، أو الشكل الطبيعي للمادة التي نراها، أو كيف كانت الجزيئات والذرات قبل مليارات السنين.
كما ينكب علماء "سيرن" حاليا على تصميم أسرع حاسب آلي في العالم، والتوصل إلى جيل جديد من الحاسبات تحمل اسم غريد.



ويعتبر "سيرن" من المراكز القليلة في العالم التي تربط بين عدد كبير من الباحثين من جنسيات مختلفة، للوصول إلى هدف واحد.
يقول جيمس غيليس المتحدث باسم "سيرن" بأن أبحاث هذا المركز تساعدنا على فهم الكون، كيف يتكون ومن أين جاء، وإلى حد ما إلى أين يتجه.



فعندما بدأ المركز الأوروبي للأبحاث النووية أعماله قبل نصف قرن، كان العلم متوقفا عند الذرة والنواة وما بها من بروتونات ونيوترونات، على الرغم من وجود نظريات مختلفة حول وجود مكونات أصغر من النواة، إلا أنها كانت تفتقر إلى التقنية التي تثبتها.
واليوم وبفضل الأبحاث التي أجراها "سيرن" خلال نصف قرن، تكشفت أمام العلماء حقائق كثيرة، يتم تطبيقها واستخدامها في مجالات متعددة ومختلفة في العالم بأسره.
فعلى سبيل المثال يعرف المتخصصون بأن هناك المادة، وهناك أيضا عكسها أو المضاد لها، أي تكون الإليكترونات موجبة الشحنة والبروتونات سالبة، إلا أن إثبات تلك النظرية ليس متاحا الآن لقلة التحارب العملية التي يمكن أن تساعد على تأكيدها بشكل قاطع.



وفي مجال فيزياء الجزيئات يتم التعامل مع مكونات دقيقة للغاية، لا يمكن رؤيتها حتى بأكثر المكبرات دقة، في مجال بعيد تماما من الصعب على العقل البشري أن يتخيله، ومكونات أخرى متناهية الدقة لها قوانينها الخاصة في التفاعل والحركة، منها مثلا ما لا يزيد عمره عن جزء من المليون من الثانية، ينتهي دوره بانشطاره إلى جزئين.
وتلك الجزيئات متناهية الصغر، تدور في حركة مستمرة، وفي تجمعاتها تشكل ما يشبه الأمواج، التي تترك آثارا عند تحركها دفعة واحدة، تماما مثل حركة الطائرة في الجو، بعيدة عن العين، ولا يُرى منها إلا آثار تحليقها.



وفي مركز الأبحاث النووية "سيرن" بجنيف، يعمل مغناطيس عملاق على تحريك البروتونات والنيوترونات والإليكترونات في مدار مفرغ من الهواء وبسرعة فائقة للغاية تكاد تقترب من سرعة الضوء، والتعرف على ما تتركه خلفها من آثار.



البحث عن " أسرار القوة" و"جوهر الطاقة"
إحتار العلماء كثيرا في البحث عن مصدر القوة، فكان اسحق نيوتن أول من وضع نظرية الجاذبية عام 1665، ثم توالت النظريات العلمية المهتمة بهذا الجانب والعلاقة بين القوة والطاقة، حتى بات من الواضح أن للطاقة مصادر متعددة، بعضها ناتج من تفاعلات كيميائية، وأخرى ناجمة عن الإشعاع، وهذا التنوع يوضح لنا بأن صور الطاقة مختلفة وإن تعددت مصادرها.



ويحلم الفيزيائيون بتوحيد الطاقة بصورها الأربعة في قالب واحد، لإثبات أنها مجرد صور مختلفة لنفس الطاقة، وهو ما يشغل بال العاملين في سيرن منذ نصف قرن.
وسيقوم المركز الأوروبي للأبحاث النووية في سيرن في الثاني من نوفمبر المقبل بإغلاق أكبر معجل الجزيئات الكبير، بعدما دار لمدة 16 عاما يبحث العلماء في النتائج، التي يطرحها عن أسرار المادة والطاقة.
ويترقب علماء "سيرن" تشغيل المعجل الجديد LHC الذي سيبدأ أولى خطواته في عام 2007، بتكلفة تصل إلى 3.2 مليار فرنك، حيث يسمح بدوران الجزئيات في مدار يبلغ قطره 27 كيلومتر، ليصبح بذلك أكبر معجل نووي في العالم.
بداية عهد جديد .



ويمثل بدء العمل بالمعجل النووي الجديد مرحلة جديدة في تاريخ المركز الأوروبي للأبحاث النووية، حيث يأمل العلماء في أن تساعد النتائج التي يحصلون عليها منه، في التعرف بشكل أقرب على تركيب المادة وطبيعة الكون، وكشف أسرار ما يعرف بالطاقة السوداء.
كما يسعى العلماء من خلال تلك الأبحاث المتعددة إلى فتح آفاق تطبيقية جديدة، في مجالات علمية مختلفة، سواء تعلق الأمر بالمادة أو الذرة ونواتها، أو بنشأة الأرض والنجوم والكواكب في الكون.



باحثة سعودية تُـسْهـم في أكبر تجربة علمية في "سيرن"
ساهمت إبتسام باظريس، وهي باحثة سعودية وطالبة بقسم فيزياء الجزيئات بجامعة جنيف، في أحد المشاريع الأربعة التي سمحت بانطلاق تجربة "مصادم الهادرونات الكبير LHC" في المركز الأوروبي للأبحاث النووية "سيرن" على الحدود السويسرية الفرنسية.
وفي حديث خصت به سويس إنفو، أعربت الباحثة عن إعتزازها بأن تكون أول سعودية تشارك في هذه التجربة، وطمأنت المتخوفين من نتائج التجربة الحالية بأن العلماء أخضعوا كل القطع المستعملة فيها لاختبارات متعددة.
شارك عدد كبير من الباحثين من شتى بلدان العالم وأسهموا وتابعوا التحضيرات التي سمحت بانطلاق مُصادم الهادرونات الكبير LHC في أضخم تجربة علمية يشهدها العالم وأنجزها المركز الأوروبي للأبحاث النووية "سيرن" المتواجد على الحدود السويسرية الفرنسية بالقرب من مدينة جنيف.
ومن بين هذا الحشد العلمي، تواجد البعض من العرب ومن بينهم الباحثة السعودية إبتسام باظريس التي تُعد حاليا شهادة دكتوراه في قسم فيزياء الجزيئات بجامعة جنيف، والتي ساهمت في برنامج "أطلس" الذي يعتبر أحد البرامج الأربعة التي أتاحت الانطلاقة الناجحة للتجربة المثيرة يوم الأربعاء 10 سبتمبر 2008.
 

الكرة الكونية




0 التعليقات:

إرسال تعليق

نرحب بجميع وجهات النظر
فلا تبخلوا بتعليقاتكم