19‏/12‏/2009

الفلاسفة عبر التاريخ / سبينوزا

باروخ سبينوزا


باروخ سبينوزا فيلسوف هولندي من أهم فلاسفة القرن 17. ولد في 24 نوفمبر 1632 في أمستردام، و توفي في 21 فبراير 1677.
حياته
ولد سبينورزا في عام 1632م في أمستردام، هولندا، من عائلة برتغالية من أصل يهودي تنتمي إلى طائفة المارنيين. كان والده تاجراً ناجحاً و لكنه متزمت للدين اليهودي، فكانت تربية باروخ أورثودوكسية، ولكن طبيعته الناقدة و المتعطّشة للمعرفة وضعته في صراع مع المجتمع اليهودي. درس العبرية و التلمود في يشيبا (مدرسة يهودية) من 1639 حتى 1650م. في آخر دراسته كتب تعليقا على التلمود. وفي صيف 1656 نُبذ سبينوزا من أهله و من الجالية اليهودية في أمستردام بسبب إدّعائه أن الله يكمن في الطبيعة والكون، وأن النصوص الدينية هي عبارة عن استعارات ومجازات غايتها أن تعرّف بطبيعة اللهّ. بعد ذلك بوقت قصير حاول أحد المتعصبين للدين طعنه. من 1656 حتى 1660 عمل كنظّارتي لكسب قوته. ثم من 1660 حتى 1663 أسّس حلقة فكر من أصدقاء له و كتب نصوصه الأولى. من 1663 حتى 1670 أقام في بوسبرج و ثم بعد نشر كتابه رسالة في اللاهوت و السياسة سنة 1670 ذهب ليستقرّ في لاهاي حيث اِشتغل كمستشار سرّي لجون دو ويت. في سنة 1676 تلقّى زيارة من الفيلسوف الألماني "لايبنيتز". توفّي سبينوزا 1677 في 21 أبريل.
فكرة
عرف فلاسفة العرب و اليهود ومؤلفات ديكارت و كتب "مقالة في إصلاح الإدراق" (1662). صدر له أثناء حياته "مبادىء فلسفة ديكارت" 1664 و "رسالة في اللاهوت و السياسة" 1670 . إمتاز بإستقامة أخلاقه و خطّ لنفسه نهجاً فلسفيّاً يعتبر أنّ الخير الأسمى يكون في "فرح المعرفة" أي في "إتّحاد الروح بالطبيعة الكاملة"، ويظهر في فكره تأثره بالفيلسوفين الحلاج وابن العربي . و اللّه في نظره جملة صفات لا حدّ لها نعرف منها الفكر و هممكانية.و يرى أنّ أهواء الإنسان الدينيةّ و السياسيّة هي سبب بقائه في حالة العبوديّة.
وظف فكرة "الحق الطبيعي" لقد ألف هذا الفيلسوف كتاباً مهماً بعنوان "رسالة في اللاهوت والسياسة"، شرح مضمونها بقوله: وفيها تتم البرهنة على أن حرية التفلسف لا تمثل خطراً على التقوى (الدين) أو على سلامة الدولة، بل إن في القضاء عليها قضاءً على سلامة الدولة وعلى التقوى ذاتها في آن واحد.


تبدو لنا فلسفة سبينوزا من العديد من الزوايا كإشتقاق مستنبط من الديكارتية وكإفقار لها في الحين نفسه ، فمن ناحية أولى في الواقع نجد أن "ثنوية" ديكارت تتحول فيها إلى "واحدية"شمولية الألوهية ، وعلى ذلك فليس الجسد والروح سوى مظهرين ( لا يبدوان متميزين إلا من وجهة نظرنا الإنسانية البدائية والمحدودة معا) تتجلى بواسطتهما حقيقة واقعية واحدة هي وحدها الحقيقة الأصلية ( نستطيع تسميتها الإله ، أو الطبيعة, أو الجوهر اللامتناهي ) وهي تتجلى تلقائياً وبالضرورة تحت ضغط "ميل توسعي" خاص بها ومن ناحية أخرى فإن الأخلاقية السبينوزية الشهيرة ليست أي شيء آخر سوى التطور المنهجي لفكرة كانت على درجة ثانوية من الأهمية في الأخلاق الديكارتية ، وهي فكرة أن الفرد متوقف بصورة كاملة على النظام الإلهي . أما لدى سبينوزا فإن الإنسان يبدو كعنصر فحسب ، إضطراري ومؤقت ، من عناصر سير الطبيعة - الإله . وهذا ما ينتج عنه أن الإعتقاد بحرية الإرادة الإنسانية ليس إلا وهما وأنه ليس في الكون ما هو صالح أو سيء بالمعني الدقيق للكلمة وأن العالم بما فيه ادق تفاصيله ، هو - ولا يستطيع أن يكون إلا - ما يحتويه الجوهر الإلهي . على أنه يوجد مع ذلك حكمة ، كما يوجد مثل أعلى للكمال ، أما قوامهما فهو الإندماج عن طريق الفكر بشكل متعاظم الوضوح بإستمرارمع النظام الخالد ، وفهم هذا النظام والخضوع له بإندفاع بهيج ، ومن هنا يتاتى ذلك المظهر الإنتفاعي أحياناً والصوفي أحياناً أخرى والذى يتميز به التامل السبينوزي ، ذلك أن شمولية الإله التي تبرر كل شيء تدعونا إلى عدم إحتقار الخيرات الأرضية ، وهي الخيرات الصادرة عن الإله ( فالفرح صالح ، والحكمة " تأمل لا في الموت بل في الحياة" ، وكذلك فإن من فعل الرجل الحكيم إستخدام الحياة والإستمتاع بها ما أمكن ذلك) ، ولكن شمولية الإله تحثنا أيضاً على التحكم في أهوائنا وعلى الهرب منها في سبيل التمكن من تكريس النفس إلى الحب العقلي المنزه عن الغرض ل " الإله - الكل" ، وهذا هو التعبد الوحيد الذى ينبغي أن نقدمه له ( لأن الأهواء تميل إلى ربطنا بمظاهر في الكون عابرة وجزئية ، وإلى تفريقنا بالتالي عن الإله ) . وهكذا فإن العيش عقلانياً والعيش أخلاقياً هما إذن مفهومين متماثلين كل التماثل معناهما الإنصياع الفعال للنظام ، وبذلك يصبح الإنسان "حراً" بصورة حقيقية ، طالما أنه يشكل أحداً واحداً مع طاقة الخلق الكلية . كما يصبح أيضاً "خالداً" بصورة حقيقية ، وليس خلوده ذلك الخلود العبثي الكاذب الذى وعدت به الأديان ، بل أنه ناجم عن كونه يشارك منذ هذه الحياة في "الكائن الراسخ" . أما الحكيم فإنه يتصرف في الواقع العملي بصورة يحب الله فيها عبر الناس فهو متواضع إزائهم ومتسامح ( لأنه يعرف الجبرية الكلية التي تجعله يفهم اخطائهم ) كما انه لا يحمل احتقارا أو ضغينة ، ويخضع دون نقاش - من الناحية الإجتماعية - للقوانين السياسية ، فهي صدى الضرورة الإلهية طالما أنها لا تقود الناس على الأقل إلى الإنقسام والحقد . أما اذا حدث ذلك فهو البرهان على عدم "ملاءمتها" . ولكن هذا التحفظ الأخير يوضح بجلاء الخطأ الأكبر لهذا المذهب الجدير بالإعتبار كل الجدارة ، الشديد واللين والشامل في آن واحد ، والذى أثر في الكثير من المفكرين ( خاصة الألمان ) . أما هذا الخطأ فهو التبرير المبالغ به للإنصياع وللإنفعالية الأخلاقية إلا إذا تقبلنا دون جدال أو نقاش عقلاني ( كما فعل سبينوزا على أي حال ) ما نسميه " أحكاماً على القيم" وهي أحكام ينبغي على هذا المنهج أن يرفضها بحسب منطقه الخالص ، ولكنها تتكشف عن كونها لا يمكن الإستغناء عنها فيما إذا رغبنا أن نحتفظ في الأخلاق بمفهومي " الجهد" و " المبادرة الفردية" .



0 التعليقات:

إرسال تعليق

نرحب بجميع وجهات النظر
فلا تبخلوا بتعليقاتكم