سيرن
أكبر مختبر لدراسة فيزياء الجسيمات
مختبر سيرن العملاق للكشف عن أصغر الجسيمات وعن طبيعة المادة عند نشأة الكون بالإنفجار الكبير
سرن أو المنظمة الأوروبية للبحث النووي بالفرنسية تعتبر أضخم مخبر في العالم في فيزياء الجسيمات تقع على الحدود بين سويسرا وفرنسا تم تأسيسها في عام 1952م وكان اسمها آنذاك "القنصلية الأوروبية للبحث النووي"، ثم في تاريخ 29 سبتمبر 1954 تغير اسمها إلى "المنظمة الأوروبية للبحث النووي"، وبلغ عدد الدول الأعضاء 20، وكانت بداية ولادة الإنترنت فيها، وقد بنت واحداً من أكبر معجلات الجسيمات في العالم، وقد اكتشف عالمان فيها جسيم w وجسيم z وحازا بفضل هذا الكتاب على جائزة نوبل في الفيزياء.
فيزياء الجزيئات
مركز "سيرن" وأضخم معجِّـل تصادمي في العالم
يوجد المعجِّـل التصادمي للجزيئات في نفق يبلغ طوله 27 كلم، يمر تحت الحدود الفرنسية السويسرية، حذو مدنية جنيف، ويعتبر حاليا أضخم وأعقد جهاز عِـلمي في العالم. ويقوم المعجل التصادمي بإطلاق بروتونات بسرعة تقارب سرعة الضوء، مستعيدا بذلك الظروف التي كانت قائمة بعد جزء قليل من الثانية في أعقاب الانفجار الضخم المعروف بـ "بيغ بانغ"، الذي جدّ قبل 13،7 مليار عام.
آلة جـبـّارة لمُطاردة العناصر المُتناهية الصغر
قبل بضعة أشهر من تشغيل مصادم الهادرونات الكبير "LHC"، دعا المركز الأوروبي للأبحاث النووية "سيرن" في جنيف مؤخرا الجمهور إلى اكتشاف تلك الآلة العملاقة ومحاولة فهم لـِمَ لا يستطيع مطاردة العناصر المتناهية الصغر للمادة سوى مُصادم عملاق بذلك الحجم.
وقد فاق الإقبال كافة التوقعات إذ تجاوز عددُ الزوار 60 ألفا خلال يومين فقط احتشدوا فيها للاقتراب من "الوحش" الذي لم يسبق صنعُ مثيل له في العالم، والذي يعد ثمرة أكبر تعاون علمي على الإطلاق.
بعد أكثر من 20 عاما من البحث والتطوير وسبع سنوات من العمل، اكتست الأبواب المفتوحة التي نظمها المركز الأوروبي للأبحاث النووية "سيرن" يومي السبت والأحد 6 و 7 أبريل الجاري رونـقا خاصا، إذ أتاحت لعشرات آلاف الزوار رؤية بعض الأجزاء المُذهلة للغاية لذلك "الوحش"، أي مصادم الهادرونات الكبير "LHC"، وأيضا مُشاهدة بعض التجارب الفيزيائية المُـمتعة.
لأن وراء الأرقام، وآلاف الأطنان من المعادن، وملايين الكيلومترات من الأسلاك وميغاوات الكهرباء المُستهلكة (بما يعادل استهلاك كافة منازل كانتون جنيف)، ومليارات الفرنكات المُنفقة، ما يجري داخل الآلة العملاقة ليس سهل الفهم والاستيعاب.
على خطى خُبراء الأسلحة البالستية..
تـتمثل مهمة "سيرن" أساسا في محاولة فهم طبيعة المادة التي يتكون منها كل ما هو موجود، لذلك فإن مجال بحثه هو الـ "حبـّات" الأكثر دقة لتلك المادة، تلك الجزيئات الأولية الأصغر من الذرة، والأصغر أيضا من البروتونات والنيوترونات والإلكترونات التي تكونها.
فضلاً عن أسمائها الغريبة: ميون، وليبتون، وميزون، وغلوون، وهادرون، أو بوزون، لهذه الجزيئات سلوك غير متوقع. فبعضها لا يعيش سوى لحظة لا تتعدى أجزاء من الثانية، في حين يعمل البعض الآخر كنواقل للقوى التي "تُبقي على تماسك" المادة. أما البعض الآخر، فلا يوجد حاليا إلا على الورق. لكن كافة هذه الجزيئات أساسية ليكون الكون على ما هو عليه اليوم.
ونظراً لعدم وجود مجهر لدراستها، لا يتوفر الفيزيائي على خيار آخر سوى "إطلاق" حزمات من البروتونات ضد بعضها البعض لتصادمها وتحويلها إلى جزيئات؛ وبالتالي يشبه عمله عمل خبير في الأسلحة البالستية الذي يحلل الآثار التي تخلفها الاصطدامات.
ولكي تصبح هذه الأخيرة مثيرة للاهتمام، من الضروري تعجيل البروتونات، بسرعات مُذهلة (قريبة من سرعة الضوء، أي 300000 كلم في الثانية الواحدة) وبناء أجهزة استشعار أعلى من المنازل.
وهكذا، فإن "أطلس"، أكبر تلك المُستشعرات التي رُكبت على مدار مصادم الهادرونات الكبير LHC، يـزن 7000 طن، بينما يبلغ طوله 46 مترا ويعادل كل من عرضه وعلوه 25 مترا، وهو بذلك أكبر كاشف جزئيات في العالم، بحيث يحتوي على 100 مليون جهاز استشعار ستقوم بقياس المعطيات القابلة للمقارنة المتعلقة بالجزيئات الناشئة عن عمليات الاصطدام، وكذلك طبيعتها والطاقة المتولدة عنها، كما ستتيح تلك الأجهزة تحديد مسارات الجزيئات بدقة تعادل سُمك شعرة الرأس.
الهيغز والمادة المضادة والمادة السوداء
ولا يتطلب الأمر أقل من ذلك لتكملة النماذج المقبولة عموما في فيزياء الجزيئات. وبالمُعجل التصادمي العملاق، يأمل الباحثون في التوصل أخيرا إلى الكشف عن أثر "بوزون هيغز"، (نسبة إلى العالم البريطاني بيتر هيغز)، إحدى الحلقات المفقودة في نظريتهم.
لكن قد يتوصلون أيضا إلى استنتاج مفاده أن هذه الجزيئة لا توجد أصلا؛ وهو أمر لن يكون أقل إثارة للاهتمام، حسبهم، بحيث سيجبرهم على إعادة النظر في النموذج.
أما السعي الآخر لهؤلاء الباحثين، فيتمثل في المادة المضادة (التي تشبه المادة العادية تماما في كل خواصها عدا شحنتها، فهي معكوسة) التي يعرف بعد مركز "سيرن" تصنيعها. ويتعلق الأمر هنا بفهم لم، خلال "الانفجار العظيم" (نظرية البيغ بانغ حول تكوين الكون)، خُلقت المادة بكميات أكبر من المادة المضادة.
ويفترض أن يسمح المعجل التصادمي العملاق أيضا بفهم ماهية "المادة السوداء" التي ربما تشكل ما يصل إلى 85% من كتلة الكون، والتي يرجح أن تكون مكونة من جزئيات ثقيلة وغير مرئية.
تخيلات حول نهاية العالم
يكفي ذكر بعض الأهداف التي يسعى إليها بلوغها المركز الأوروبي للأبحاث النووية ليفهم المرء لـم يثير الـ "سيرن" كل أنواع التخيلات. فمنذ نشأته في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حرص العلماء على قول وتكرار أن الحرف "ن" في الاسم المختصر لـ"سيرن" (نووي) لا علاقة له على الإطلاق بقنبلة هيروشيما، ولا، لاحقا، بكارثة تشرنوبيل.
لكن ذلك لم يمنع الكاتب الأمريكي دان براون، مؤلف "شفرة دافنتشي" (2003، إحدى الروايات الأكثر مبيعا) من تخيل مجتمع سري يريد تدمير الفاتيكان بواسطة ... قنبلة من المادة المضادة سُرقت من "سيرن" في مؤلف "ملائكة وشياطين" الذي سيتم قريبا تكييف كتابته الروائية للسينما (مع توم هانكس أيضا).
وبأسلوب لا يخلو من الهزل والطرافة، وبهدف التمييز جيدا بين الواقع وخيال الروائيين، رد علماء الـ "سيرن" عبر الانترنت بأنه لا يوجد قنبلة من المادة المضادة؛ مما أدى إلى زيادة كبيرة في الإقبال على الموقع الإلكتروني للمؤسسة.
وقبل أسبوع، رفع مواطن أمريكي وآخر إسباني شكوى ضد الـ "سيرن" أمام قاض في هاواي (!)، بحجة أن المعجل التصادمي العملاق قد يحدث ثقبا أسودا يمكن أن يلتهم الأرض، وحتى الكون كله...
وهنا أيضا، كان رد فعل العلماء هادئا، إذ ذكـّروا بأنه حتى إذا كان اصطدام اثنين من البروتونات يمكن أن يولد بالفعل ثقبا أسودا صغيرا، فإن هذا الأخير سيـُحل قبل أن يتاح له الوقت لابتلاع أي شيء.
ذلك دون إغفال الحقيقة التالية: لابتلاع الأرض، يجب أن يكون الثقب الأسود، على الأقل، أثقل من الأرض. في حين تزن البروتونات التي يستخدمها المعجل النووي العملاق نحو 16 أّس ناقص 27، إلا إذا كان يوجد فأر قادر على ابتلاع النظام الشمسي...
سيرن: انطلاقـة ناجحة لتجربة عـلمية تاريخية
توجّهت أنظار العالم إلى المركز الأوروبي للأبحاث النووية "سيرن" على الحدود السويسرية الفرنسية، الذي شهـد تشغيلا ناجحا لمصادم الهادرونات الكبير "LHC"، أضخم معجل تصادمي للجزيئات في العالم، والذي يُعتبر ثمرة أكبر تعاون علمي دولي على الإطلاق.
ويـُتوخى من التجارب التي ستجري في "سيرن" التوصل إلى فهم أفـضل لنشـأة الكون من خلال محاكاة نظرية الانفجار العظيم الـ "بيغ بانغ". لكن هذه التجارب تثير مخاوف البعض من إحداث ثقب سوداء قد تلتهم الأرض، وحتى الكون بأكمله...
أسالت التجربة التاريخية التي شهدها مركز "سيرن" يوم الأربعاء 10 سبتمبر 2008 حبراً كثيرا خلال الأيام القليلة الماضية في الصحافة السويسرية والـدولية. فقد نعتها المُعـلقون بأوصاف مُختـلفة وعبـّروا إزاءها عن مواقف متباينة. وبينما تحدثت عنها يومية "تاغس أنتسايغر" (تصدر بالألمانية في زيورخ) كـ "انطلاقة أكبر تجربة في العالم"، أبرزت صحف أخرى، مثل "لوتون" (تصدر بالفرنسية في جنيف) قلق بعض العـلماء منها.
فبعد أكثر من 20 عاما من البحث والتطوير وسبع سنوات من العمل، قام فيزيائيو "سيرن" يوم الأربـعاء لأول مرة بحقن حزمة من البروتونات داخل إحدى اتجاهات المدار التحت أرضي لمُصادم الهادرونات الكبير (THE LARGE HADRON COLLIDER) البالغ طوله 27 كيلومترا. وقد أتمت الحزمة دورتها داخل المدار في ظرف يقل عن ساعة (مقابل 12 ساعة لدى انطلاقة المعجل التصادمي السابق للسيرن). وتُعتبر هذه العملية، التي تابع مجرياتها لحظة بلحظة زهاء 260 صحفيا قدموا من مختلف أنحاء العالم، محطة حاسمة من عملية إطلاق هذه الآلة الجبارة التي كلـّف تصنيعها 6 مليار فرنك سويسري.
أما التجارب داخل هذا المعجل التصادمي النووي العملاق، فستشرع بحلول نهاية عام 2008 بأولى صدامات الجزيئات، ولكن هذا التصادم لن يحدث قبل أن تكون الحزمات، المكـونة من البروتونات أو من إيونات الرصاص، قد استقرت في سرعة تقارب سرعة الضوء؛ وهي تجارب يُفترض أن تسمح بتغيير نظرتنا إلى العالم وإلى نشأته.
وبعد حدوث أولى الاصطدامات، قد يتطلب الأمر عاما أو عامين قبل التوصل إلى أولى الاكتشافات، بحيث سيقوم العلماء بتجميع كـمّ هائل من المُـعطيات التي سيتطلب تحليلها وقتا طويلا.
من أجل فهم أفضل للكون
ويـُتوخى من تجارب "سيرن" السماح للعلماء بمعرفة أفضل لكيفية نشأة الكون. فعالـَمُ فيزياء الجسيمات اليوم يقوم على نظرية "النموذج العياري" الذي يسمى أيضا "النموذج القياسي"، وهو نموذج لا يُمثـّل المعرفة النهائية بما أن أسئلة شتى تـظل مفتوحة...
ووفقا لهذا النموذج، يوجد في الكون نوعان من الجسيمات، الأولى تسمح بتجميع المادة والثانية تُشـِع الطاقة بين الجزيئات. فبينما تحمل الفوتونات القوة الكهرومغناطيسية، تنقل البوزونات القوة الضعيفة (التي هي منشأ النشاط الشمسي)، فيما تحمل الغلوونات قوى التآثر القوية التي تُبقي مجموع البـروتونات داخل نواة الذرة.
في المقابل، لا يـُقدّم النموذج العياري أيّ تفسير للجاذبية (أو الثقالة)، رابع قوة أساسية في الطبيعة (فضلا عن القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الشديدة والقوة النووية الضعيفة)، وبالتالي فهو نموذج غير كامل. كما لا يستطيع تفسير سبب توفر المادة على كـتلة ولا على اختراق أسرار المادة المُظلمة، ولا حتى إيجاد إجابة على غياب المادة المُـضادة في الكون.
وطوال عـقود عديدة، انكب الفيزيائيون على تكملة النموذج العياري أو حاولوا استبداله بنظريات جديدة، ومن بينهم البريطاني بيتر هيغز الذي طرح مبدأ وجود جـُسيمة إضافية أُطـْلـِق عليها "بوزون هيغز".
ويُعتبر مُصادم الهادرونات الكبير "LHC" أول إنجاز يتيح البحث عن أثر جسيمة "بوزون هيغز" (إن وُجدت بالفعل بحيث لا يُستبعد اكتشاف عدم وجودها أصلا). ولنصب فخ للجسيمة، سيسهر الفيزيائيون على ضمان اصطدام مليارات البروتونات خلال السنوات القادمة. أما الظروف الفيزيائية التي ستسود خلال هذه الاصطدامات فستكون شبيهة جدا بالظروف التي رافقت الانفجار العظيم الـ "بيغ بانغ".
الثقب الأسود بين المخاوف والتطمينات
ويـخشى بعض العلماء من إحداث مصادم الهادرونات الكبير لثقوب سوداء قد تبتـلع كوكب الأرض، إذ تحاول مجموعة علماء - بقيادة بروفيسور الكيمياء الحيوية، الألماني أوتو روسلير - منع إجراء التجارب داخل المصادم العملاق عن طريق المحاكم. ومنذ أسابيع عديدة، تصدّر البروفيسور روسلير وأنصاره عناوين الصحف بتحذيراتهم المتكررة.
ويعتقد هؤلاء أن تصادم البروتونات في آلة السيرن العملاقة، الذي سيعيد في الأرض تكوين نفس الظروف التي سادت الكون مباشرة بعد الانفجار الكبير، سيتسبب في توليد ثقب سوداء صغيرة جدا قد تكبر حجما إلى أن تبتلع كافة المادة المحيطة بها قبل أن تلتهم الأرض بأكملها.
وفي شكوى رفعها مؤخرا إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، طالب البروفيسور روسلير باتخاذ إجراءات مؤقتة – تم رفضها- تحظر تشغيل معجل تصادم الجزيئات العملاق. ومازال يُنتظر صدور حكم المحكمة حول صميم القضية.
من جهتهم، يعتقد خبراء السيرن، استنادا على جملة من التقارير، بأن تأكيدات البروفيسور روسلير وأنصاره ضالة وبأن مخاوفهم غير معقولة. فحسب مجموعة تقييم الأمن والسلامة داخل السيرن، "تنجم عن كل تصادم لزوج من البروتون في مصادم الهادرونات الكبير "LHC" طاقة تشابه قوة تصادم بعوضتين"، ويؤكدون أن كل ثقب أسود سينجم عن التصادم سيكون أصغر من الثُّـقب التي يعرفها فيزيائيو الفلك، ولـن يزداد حجمها بشكل خطر.
بداية تشغيل أكبر نظام لتسريع تصادم الجزيئات في العالم
تنفس الجميع الصعداء، وتبادل العلماء بالمركز الأوروبي للبحوث النووية (سيرن) التهاني، لقد أنهت حزمة من البروتونات أول دورة لها داخل مُصادم الهادرونات الكبير البالغ طوله 27 كيلومتر بنجاح على الساعة العاشرة صباحا و28 دقيقة من يوم الأربعاء 10 سبتمبر 2008 ، ولم تستغرق هذه الدورة أكثر من ساعة.
مثّل هذا الإنجاز تتويجا لعشرين سنة من الجهود العلمية المضنية، وإعلانا لبداية مرحلة جديدة من البحث والاكتشاف الذي لا يمكن أن يتوقف.
حبس العلماء المشاركون مشاعر الفرح بهذا الإنجاز العلمي الكبير. واتسم التصفيق داخل قاعة التحكم والمراقبة عندما حانت ساعة الصفر لإنطلاق التجربة، بالاعتدال. وكأن لسان حالهم يقول، ليدخر كل منّا مشاعر الغبطة والفرح.
هذه الثلة الكبيرة من الفيزيائيين والمهندسين، من الرجال والنساء، الذين حققوا هذا الإنجاز، يدركون "أن الإنسانية، بهذه التجربة العلمية، قد قطعت أشواطا لا بأس بها على درب فهم أسرار الكون والطبيعة".
إحتفت كل وسائل الإعلام بهذه التجربة العلمية، وهي أوّل مرة يستقبل فيها مقر المركز الأوروبي للبحوث النووية هذا العدد الكبير من الصحافيين. أزيد من 300 إعلامي جاؤوا من جميع أصقاع العالم لتغطية هذا الحدث الكبير.
تعلقت أنظار هؤلاء الصحافيين بشاشات العرض الكبيرة، وتتابعت البيانات العلمية، والندوات الصحفية، ونشط الربط التلفزيوني المباشر.
وبحلول منتصف النهار، إحتفل فريق فيرميلاب الأمريكي، بهذا النجاح الأوّلي. كان منتصف الليل بتوقيت شيكاغو، ولكن لا بأس: لقد أراد الفريق العلمي الأمريكي، عدم تفويت الفرصة لمباركة هذا الحدث العلمي الكبير. لقد ساهموا هم أنفسهم في تحقيقه، مثلهم مثل اليابانيين، والهنود والكنديين، وغيرهم.
الدقة اللامتناهية
إنتهت المرحلة الأولى من التجربة، وأعرب دانيال دينيغري، وهو عالم متخصص في فيزياء الذرة، يعمل بالمركز الأوروبي للبحوث النووية عن غبطته قائلا: "كنت على يقين أن التجربة ستنجح، لكنني لم أتصور أن الأمور ستجري بهذه السرعة".
التحكم في حزمة من البروتونات على مستوى محدود أولا، ثم على امتداد مُصادم الهادرونات الكبير البالغ طوله 27 كيلومتر، خلال أقل من ساعة. هذا التوقيت لا شك أنه أفضل بكثير من الإثني عشرة (12) ساعة التي استغرقتها العملية نفسها عند بداية تشغيل المعجّل التصادمي السابق ب "السيرن".
وتنبع أهمية هذا الإنجاز أيضا من حجم التعقيدات التي أحاطت بهذه التجربة، والتي جاءت حصيلة سنوات من التخطيط والتصميم، ومن البناء والضبط الدقيق للزمن، وللآلاف من الأجزاء المركبة لهذه الآلة الضخمة.
وبيّن دانيال دينيغري أن "التحدي الرئيسي كان الحفاظ على البروتونات داخل الأنبوب، لأن بإمكانها، في حالة انحرافها، أن تحدث ثقبا في الآلات المغناطيسية الكبيرة التي تحركها".
هذه الحزمة من البروتونات تتحرك إذن في فضاء مغناطيسي، ويكتفي الأنبوب الخارجي بتوفير الفراغ الذي يسمح بتعجيل سرعة الجزيئات من دون أن تواجهها أي عراقيل. ولو كان بالاستطاعة بناء مُصادم الهادرونات الكبير في الفضاء، لكان بالإمكان تحقيق سرعة أكبر.
مرحلة أولى
يقول جون إلّيس، صاحب السترة البيضاء التي تذكّر بالحكماء القدامى، والقميص الذي تغطية المعادلات الفيزيائية، حتى أصبح كواحدة من تلك اللوحات ال 4000 الموجودة في المركز الأوروبي للبحوث النووية: "هذه الآلة بلا شك أكثر تعقيدا من المركبات الفضائية التي حملت الإنسان إلى سطح القمر".
ويشدد دانيال دينيغري، المتخصص في فيزياء الذرّة على أن "ما حصل اليوم ليس سوى الخطوة الأولى في طريق طويل" ويضيف "أما الخطوة الثانية فقد حصلت في فترة ما بعد الظهر، حينما طافت حزمة من البروتونات، داخل الأنبوب المغناطيسي في الإتجاه المعاكس لحركة الحزمة الأولى".
قام المهندسون في الفترة الفاصلة بين المرحلتين بإعادة ضبط نظام تبريد المحركات المغناطيسية، وهذا النظام يجعل من المركز الاوروبي للبحوث النووية أكبر آلة تبريد في العالم أجمع.
ولاحقاً، ستحصل التصادمات الأولى بين حزمتيْ البروتونات التي تتحرك في اتجاهيّن معاكسيْن خلال أسبوعيْن. وستكون البداية بتوظيف مستوى محدود من الطاقة، ثم يزداد حجم الطاقة المستخدمة شيئا فشيئا. ويجب انتظار فترة من الزمن لقياس وتحديد نتائج تلك التصادمات بواسطة أربع آلات كاشفة.
وصرح دانيال دينيغري، قائلا: "سنشرع في تنفيذ التطبيقات الفيزيائية خلال بضعة أشهر، وسنصل إلى التشغيل الكامل خلال ثلاث سنوات، وإنني على يقين أن هذه الآلة قادرة على كشف جسيمات (بوزون هيغز)".
العثور على هذا النوع من الجزيئات القادر على تفسير ظاهرة الثقل في الأجسام الأخرى هو أحد الأهداف المرجوة من إستخدام هذا المعجّل التصادمي الجديد. ولكن هذا النوع من الجزئيات قد يكون لا يكون موجودا من الأصل. وفي هذه الحالة، يقول الفيزيائي الفرنسي، توجد نظريات بديلة، وبإستطاعة مُصادم الهادرونات الكبير، إثباتها أو دحضها.
نهاية العالم ليس غداً
وماذا عن الثقوب السوداء،التي يخشى البعض أن تظهر داخل هذه الآلة الضخمة، ثم تتسبب لاحقا في ابتلاع الأرض، وربما الكون بأسره؟!
ويجيب عن هذه التخوفات جون إلّيس فيقول: "ليس هناك أي خطر إطلاقا، كل يوم تصطدم الكرة الأرضية بجزيئات أكثر قوة من البروتونات التي نستخدمها في التجربة، ولم يحدث أي شيء مما يدعون".
يتفق الفيزيائيون على أن الثقوب السوداء الصغيرة التي من الممكن أن تظهر نتيجة تصادم الجزيئات داخل الأنبوب، لن تكون بالحجم والقوة القادرة على ابتلاع أي شيء، وستندثر بعد ثواني من ظهورها.
هذه التأكيدات لم تمنع صحيفة يومية توزع مجانيا في سويسرا من طرح سؤال في منتدى إلكتروني على موقعها، تسأل قراءها: ماذا سيفعلون لو كانت نهاية العالم غدا؟
لاحقاً، وفي نفس الصحيفة، نقرأ مقالا يؤكد فيه كاتبه أن الثقوب السوداء لا يمكن أن تحدث إلا إذا إصطدمت الأرض بكوكب توازي كتلته 25 مرة حجم الشمس التي يستظل بها كوكبنا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نرحب بجميع وجهات النظر
فلا تبخلوا بتعليقاتكم