07‏/02‏/2011

فهم الأمور التي تستعصي على العقل البشري


منذ فجر التاريخ والبشر في تفكير مستمر وبحث متواصل ، للإجابة على بعض الأمور المعقدة ، والتي طالما إستعصت على الفهم ،
ومحاولة الإجابة عن بعض أصعب التساؤلات التي واجهت الإنسان في تاريخه القديم والحديث ،
وقد كنت ولا أزال دائم التفكير والرغبة في معرفة أمور مثل :
(الكون ، والزمن ، والمادة ، والأفكار والمشاعر)
وطالما تسائلت عن أمور مثل :
1- ماهي المادة ، وما أصغر لبناتها ؟!
2- ما شكل الكون ؟!
ما حجمه ؟!
من أين أتى ؟!
كم أبعاده ؟!
هل الكون محدود ، أم ليس له حدود ؟!
هل هو ثابت ، أم متوسع ؟! (بمشيئة الله)
هل له بداية ، ومتى بدأ ؟! (بأمر الله)
هل له نهاية ، ومتى سينتهي ؟! (بقدرة الله)
أم أنه أبدي ، ليس له بداية ولا نهاية ؟!
3- ما هو الزمن ؟!
هل له بداية ، ومتى بدأ ؟!
هل له نهاية ، ومتى سينتهي ؟!
4- ماهي نواتج العقل البشري ، (الأفكار والمشاعر) ؟!
هل هي مادية ، أم مجردة ؟!
مما تتكون ، وكيف تنتج ؟!
كيف تختزن ، بما يطلق عليه (الذاكرة) ؟!
وكيف تتلاشى ، بما يطلق عليه (النسيان) ؟!
ومن حسن الحظ أن البشر يعيشون في عصر تطور فيه العلم ، وتوصل فيه العلماء إلى إجابة لهذه الأمور ، وغيرها من الأمور التي طالما إستعصت على فهم العلماء قبل العامة ،
فالإجابة على هذه الأمور لم يكن يحلم بها حتى أكبر العلماء قبل 50 سنة فقط
عدا بعض التجليات التي توصل لها البعض بالتفكير المجرد منذ عصر الفلاسفة الإغريق.
وسوف أحاول الإجابة إعتماداً على معلوماتي المتواضعة ، وبطريقة مختصرة جداً ، وموجهة للقاريء العادي ، أما المختصين في هذه المجالات من العلوم فهناك تفاصيل أكبر ، لا نريد الدخول فيها ، حتى لا يتشتت القاريء ، ويصيبه الملل ، ويفقد الموضوع تركيزه ومتعته.
1- المادة
المادة وأصغر لبناتها :
منذ أن قال الفيلسوف والعالم الإغريقي (هيرقليدس) قبل أكثر من ألفي عام ، بأن المادة تتكون في أصغر جزيئاتها من ذرات لا تقبل التجزئة ، والعلماء في بحث دائم عن ما هية المادة ، وما أصغر جزيئاتها ،
* الذرة :
(كلمة ذرة باللغة الإنجليزية (Atom‏) ، مأخوذة من كلمة (أتوموس) ، وتعني غير قابل للإنقسام باليونانية القديمة) ،
والذرة هي أصغر جزء من العنصر الكيميائي الذي يحتفظ بالخصائص الكيميائية لذلك العنصر غير القابل للانقسام ، إذ كان يعتقد أنها غير قابلة للتجزئة وليس ثمة ما هو أصغر منها .
* تركيب الذرة :
تتكون الذرة من سحابة من الشحنات السالبة (الإلكترونات) تحوم حول نواة موجبة الشحنة صغيرة جداً في الوسط ،
تتكون النواة الموجبة من بروتونات موجبة الشحنة ، ونيوترونات متعادلة.
الذرة هي أصغر جزء من العنصر يمكن أن يتميز به عن بقية العناصر ،
وعندما نغوص إلى البنى الأصغر من الذرة ، لا يعود هناك فرق بين عنصر وآخر ،
فالفرق بين المواد يكون على مستوى الذرات فقط ، أما الجسيمات الأصغر من ذلك فلا فرق فيها بين مادة وأخرى ، فلا فرق بين البروتونات والنيوترونات والإلكترونات وغيرها من الجسيمات ،
لا فرق بين بروتون في ذرة (حديد) ، وبروتون آخر في ذرة (ذهب) مثلاً ،
فالذرة بما تحمله من خصائص ، مثل عدد بروتوناتها ، عدد نيوتروناتها ، كتلتها ، توزيعها الإلكتروني ، تصنع الفروقات بين العناصر المختلفة ، وبين الصور المختلفة للعنصر نفسه (المسماة بالنظائر) ، ومدى قدرة هذا العنصر على التفاعل الكيميائي.
* تركيب المادة :
ظل تركيب المادة من الأمور التي تشغل العلماء ، وقد غاص العلماء أكثر فأكثر في جزيئات المادة ، وفي كل مرة يتم إكتشاف جزيئات جديدة ، ويتم الوصول إلى مستويات أصغر من هذه الجسيمات ، وقد ساعدهم على ذلك جيل جديد من المسرعات ، كان آخرها وأكبرها حجماً وطاقةً مسرع (سرن)
وقد توصل العلم إلى أن المادة تتكون من ذرات ، وأن الذرة تتكون من نواة تحتوي بروتونات ونيوترونات يدور حولها إلكترونات ، وقد إكتشف العلماء جزيئات أخرى مثل جزيئات الضوء (الفوتونات) ، وغيرها من الجسيمات ،
وتتكون البروتونات والنيوترونات من جسيمات أصغر تسمى الكواركات ،
وعند هذه النقطة تختفي المادة في أعمق أعماقها لتصبح عبارة عن مجرد طاقة ،
وقد إستمرت الأبحاث والإكتشافات ، وكان آخر النظريات في هذا المجال ، أن الكون في أصغر جزيئاته ، يتكون من نسيج من الأوتار الفائقة ، والتي تبلغ حجماً صغيراً جداً (أصغر من الكواركات) ،
فكلما إستمرت الإكتشافات ، وغاص العلماء أكثر فأكثر في أعماق المادة ، فإنها تختفي عند الأجزاء المتناهية في الصغر ، ويصبح كل مافي الكون من (مادة) عبارة عن مجرد (طاقة) !.
2- الكون :
شكل الكون :
يعتقد العلماء بأن الكون عبارة عن كرة شبيهة بالكرة الأرضية ، تحتوي على المكان والزمان ، فلا يوجد خارج هذه الكرة الكونية لا مكان ولا زمان !
وبهذا يكون الكون منتهي ، ولكنه غير محدود !.
* حجم الكون :
يبلغ الكون حجماً هائلاً لا يتصوره العقل ، بحيث أن الضوء الذي يقطع حوالي :
(300 ألف كيلو متر في الثانية) ،
يستلزم من الوقت حوالي :
(13.5 بليون سنة) ،
لقطع الكون من أحد أطرافه إلى الطرف الآخر !.
* بداية الكون :
بدأ الكون بإنفجار كبير ، قبل حوالي (13.5 بليون سنة) ،
من جزء صغير لا يتعدى حجم البروتون ،
وكان نتيجة هذا الإنفجار ، أن إنبثق الكون ، وإنبثق معه (المكان والزمان).
* من أين أتى الكون :
تستنتج بعض النظريات بأن الكون أتى من قفزة كمومية في الفراغ (أي من لا شيء)
وتستنتج نظريات أخرى بأن الكون قد إنبثق من كون آخر أكبر منه وأكثر أبعاداً ،
مثلما تنبثق فقاعة صغيرة من فقاعة أكبر منها.
* أبعاد الكون :
أبعاد الكون المعروفة هي (4 أبعاد) ، (3 مكانية) و (1 زماني) ،
وتتوصل بعض النظريات إلى أن للكون عدة أبعاد قد تصل إلى (11 بعد) ،
ويعتقد بأنه قد إنبثق من كون آخر أكبر وله أبعاد أكثر ، وهذا الكون بدورة إنبثق من كون ذو أبعاد أكثر ، وهكذا تنبثق أكوان جديدة من أكون أخرى أقدم وأكبر وأكثر أبعاداً.
* توسع الكون :
منذ الإنفجار الكبير والكون في توسع ، وتبتعد مجراته عن بعضها بسرعة كبيرة ، بطريقة الإنتفاخ ، وأقرب مثال على ذلك هو برسم نقاط على بالون ثم نفخه ، وعندها تتباعد النقاط عن بعضها ، رغم ثبات كل نقطه في موضعها ، وهذا هو شكل تباعد المجرات عن بعضها.
* نهاية الكون :
تتوصل النظريات إلى أن قوة الإنفجار لا زالت هي القوة المسيطرة ، والتي تؤدي إلى إستمرار تمدد وتوسع الكون ،
إلا أن قوة الجاذبية ومهما بلغت من الضعف ، فإنها سوف تكون هي صاحبة القرار النهائي في مصير الكون ، وبأنها سوف تتغلب على قوة الإنفجار التي ستضعف مع مرور الزمن ، وعندها يبدأ الكون بالتقلص والإنخساف على نفسه بتأثير قوة الجاذبية ، فينتهي بإنخساف كبير ، كما بدأ بإنفجار كبير ، وسوف تتصادم المجرات والنجوم ، وتنصهر المادة ، وتتجمع في نقطة صغيرة ، ليعود الكون إلى حجمة قبل أن ينفجر ، ويعتقد بأن الكون في منتصف عمره الآن ، وبأن هذا سيحدث بعد حوالي :
(13.5 بليون سنة) ،
وهناك بعض النظريات التي تقول بأن الكون سوف يعود للإنفجار مجدداً ، في دورات متعاقبة ، يتكرر فيها الإنفجار ثم الإنخساف ثم الإنفجار مرة أخرى ،
قال تعالى :
{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}.
صدق الله العظيم.
3- الزمن :
* ما هو الزمن :
من المعروف منذ القدم أن الكون يتكون من 3 أبعاد مكانية ، وكان الزمن يعتبر مستقلاً وخارج أبعاد الكون ، وأمراً غير مادياً ولا مفهوماً ، وأبدياً ليس له بداية ولا نهاية ،
إلا أن دراسات ونظريات العالم الشهير (آينشتاين) قد قلبت هذه المفاهيم ، وأحدثت تغيراً جذرياً في النظرة إلى الكون والزمن ، وأثبتت بأن الزمن جزء لا يتجزء من نسيج الكون ، ويمثل أحد أبعاده التي تشكله ،
فقد أثبتت نظريات (آينشتاين) بأن الزمن ليس مجرداً ، ولا خارج أبعاد الكون ، وليس أبدياً ، بل له بداية وسيكون له نهاية ،
فالزمن جزء من الكون ، يدخل في نسيجه ، ويشكل بعداً من أبعاده ، إبتدأ مع بدايته ، وسينتهي مع نهايته ،
فبالإضافة إلى الأبعاد المكانية الثلاثة ، فإن الزمن يشكل البعد الرابع ، ولا يمكن تحديد نقطة ما في الكون إلا بمعرفة أبعادها المكانية الثلاثة والزمن كبعد رابع.
بداية الزمن :
* متى بدأ الزمان :
بدأ الزمن مع بداية الكون ، وبمعنى آخر فإن الزمان بدأ مع بداية المكان ،
وقد حددت النظريات بداية الزمان بلحظة الإنفجار العظيم ،
حيث إنبثق المكان ، وإنبثق معه الزمان ، قبل حوالي :
(13.5 بليون سنة) ،
نهاية الزمن :
* متى سينتي الزمان :
تعتقد بعض النظريات بأن الكون سوف ينخسف ثم ينتهي بعد حوالي :
(13.5 بليون سنة) ،
وعندها يختفي المكان ، وينتهي معه الزمان.
4- الدماغ :
* تعريف الدماغ :
الدماغ هو أهم أجزاء الجسم البشري ، وهو الذي يسيطر على الأعضاء اللاإرادية ، مثل القلب والرئة ، ويحرك الأعضاء الإرادية ، مثل الأيدي والأرجل ، وهو الذي يترجم ما تستقبله أجهزة الحس في الجسم ، مثل أحاسيس السمع والبصر واللمس ، فهو الذي يترجم الصور التي تنعكس على شبكية العين إلى رؤية ، والإهتزازات التي تحرك طبلة الأذن إلى سمع ، ويحلل معانيها ، ويختزن كل ما يرد من هذه الأجهزة الحسية في الذاكرة ، ثم يسترجعها ويحللها يقارنها متى لزم الأمر ، وهو مصنع الأفكار ، ومصدر المشاعر ، ومنبع الأحاسيس ، ومخزن الذكريات ،
يتشكل المخ من نصفي كرة منفصلتين يرتبطان بجسر عصبي (حزمة عريضة من الألياف العصبية) ،
لا يتعدى وزن المخ في المتوسط 1400 جرام ،
* تركيب الدماغ :
یحتوي الدماغ على عشرات الملیارات من الخلایا العصبیة ، وكل خلية ترتبط بجموعة کبیرة (أحیانا مع الآلاف) من الأعصاب المجاورة لها ،
ويتألف دماغ الإنسان من عدة أقسام هي : المخ وجذع الدماغ والمخيخ.
* المخ :
ويمثل القسم الأكبر والأهم من الدماغ ، ويتشكل من فصين رئيسيين على شكل نصف كرة هما (الفص الأيمن والفص الايسر) ، وكل منها يتكون من مجموعه من الأجزاء المسؤوله عن وظيفه محدده في الجسم ، ويهتم الدماغ بشكل عام بالوظائف الحسية والعقلية والإدراكية ووظائف اللغة وعمل الأعضاء الداخلية وحركة الأعضاء الخارجية ، والجزء الأهم هو القشرة أو الطبقة السطحية لنصفي الكرة حيث يتوقف على مكوناتها من الخلايا كل ما يميز البشر من وعي وتفكير.
* جذع الدماغ :
هو الكتلة الدماغية التي تصل بين المخ والحبل الشوكي ،
ويتكون جذع الدماغ من الدماغ المتوسط والجسر والنخاع المستطيل ،
وينقل الأوامر من الدماغ إلى أعضاء الجسم كما ينقل المعلومات الحسية من أعضاء الجسم إلى الدماغ ،
وتوجد فيه مراكز التنفس وتنظيم الضغط وتنظيم ضربات القلب ،
ويتحكم جذع الدماغ في وظائف الجسم الحرجة وغير الإرادية ،
كما يتحكم في الوعي واليقظه والنوم والإحساس بالألم ،
كما تنطلق من جذع الدماغ ، الأعصاب الدماغية العليا ، التي تتحكم في حواس الوجه كالعين والأذن (السمع والبصر) والتذوق والشم وغيرها....
* المخيخ :
هو القسم الكروي الأصغر الذي يقع أسفل نصفي الكرة المخيتين في الدماغ
يهتم المخيخ بشكل أساسي بوظائف التوازن وتنظيم الوظائف الحركية.
ويستقبل الدماغ كل الإشارات التي تستقبلها الحواس الخمس ، بواسطة شبكة من الأعصاب ،
وتنتقل كل أوامر الدماغ إلى سائر أعضاء الجسم عبر الحبل الشوكي.
أقسام الدماغ والوعي
* أقسام الدماغ :
ينقسم الدماغ إلى أقسام رئيسية هي :
1- المخ ويتكون من :
أ- اللحاء أو (الجزء الأعلى من المخ) ، وهذا الجزء أكبر أجزاء المخ حجماً ،
ب- المهاد أو (الجزء الداخلي من المخ) ،
2- المخيخ ،
والوعي يوجد في منطقة (اللحاء) ،
وهذا الجزء يعتبر أحدث أجزاء الدماغ في سلم التطور ، وعندما يتم تخدير الإنسان فإن أول ما يغيب هو الوعي ، وتستمر عمليات الدماغ الأخرى ، لأن الوعي هو أكثر عمليات الدماغ تأثراً نظراً لكونه الوظيفة الأخيرة والحديثة التي إكتسبها هذا العضو المعقد خلال عملية تطوره التاريخي ،
وفي حالة تخدير الإنسان بطريقة التخدير المتدرجة بمادة الأثير التي كانت تستخدم قديماً ، فإنه يشعر بالخوف الشديد ويدخل في حالة من الذعر والحركة الشديدة والصراخ ، وهذا هو السبب الذي يجعل الطبيب يربط يدي المريض ورجليه قبل البدء بالتخدير ، ويحدث ذلك نظراً لأن (الجزء الأعلى والأكبر من المخ) يكون مشلولاً ، وفي هذه الحالة الطارئة يتسلم القيادة الجزء التالي الأدنى من الدماغ وهو (المخيخ)و(المخيخ) هو أقدم أجزاء الدماغ ، ويوجد لدى البشر والحيوانات بشكله المكتمل ، فهو أقدم وأقل تعقيداً ، وبالتالي فهو أكثر قدرة على المقاومة ، ولذلك يستمر في العمل في هذه الظروف ،
تتمركز في هذا الجزء الغرائز والدوافع المخزنة كأفعال إنعكاسية موروثة ،
ولدى الإنسان ، يراقب (المخ) عادة هذه الأفعال الإنعكاسية ، ويحصرها ضمن الحدود المناسبة ، أما في هذه الفترة المتوحشة فإن هذا الجزء الأعلى القادر على التحليل والتقييم غائب ، لذلك يسيطر (المخيخ) كحاكم مطلق ، ويحكم على التخدير (وهذا صحيح من منطلق شعوره الغير قادر على التقييم) ، على أنه حالة من التسمم الحاصل بتأثير خارجي ، مما يجعله يطلق الأفعال الإنعكاسية الغريزية المطلوبة لإتخاذ ما يلزم من قرارات الهرب أو الدفاع ،
ويستمر مفعول المخدر بالإزدياد حتى يصل إلى مستوى أعمق فيتخدر (المخيخ) وتهدأ هذه الإنعكاسات ، فيبدأ الطبيب بإجراء العملية ،
وفي هذه الحالة يكون كلاً من (الجزء الأعلى من المخ) وهو الجزء الأكبر والأحدث في سلم تطور الدماغ ، ويسمى (اللحاء) ،
و(المخيخ) ، مشلولين ،
إلا أن الجزء الأدنى والأقدم من المخ ويسمى (المهاد) ، لا يزال يعمل ،
تتواجد في هذا الجزء مراكز التحكم الأتوماتيكي (اللاإرادي) ، التي تتحكم بالدورة الدموية والتنفس وتنظيم الحرارة وغيرها من وظائف التمثيل العضوي اللازمة للحياة ، وهذه المراكز هي التي تحافظ على بقاء الشخص المخدر حياً ،
لأن هذا الجزء الأقدم من الدماغ لم يزل الأقل تحسساً والأكثر تحملاً من بقية المراكز المسؤلة عن الوعي وعن الشعور بالألم ،
يبرهن التخدير بطريقة تأثيره المتدرجة على
أن الأجزاء المختلفة من الدماغ من الناحية التطورية التاريخية ذات أعمار مختلفة ،
وأن لكل مرتبة من العمر التطوري تركيباً خاصاً بها ، يزداد تعقيداً من الأقدم إلى الأحدث ،
إذا ما ربطنا بين هذه المهام الوظيفية للدماغ ، وبين تركيبه التشريحي ،
نلاحظ أن هذا العضو مؤلف من طبقات متشكلة بالتسلسل فوق بعضها كما يحدث في الرواسب الجيولوجية ، حيث تكون أقدم الطبقات في الأسفل ، ثم تأتي فوقها الطبقة الأحدث ، وصولاً إلى أحدث الطبقات وهي الطبقة الخارجية.
مصدر الوعي :
* ما هو مصدر الوعي ؟! :
دار النقاش منذ قديم الزمن حول ماهية الوعي ، وهل الوعي ينتج عن تفاعلات مادية ، وأنه إفراز من إفرازات الدماغ البشري ، أم أنه أثيري مستقل عن المادة ،
والحقيقة هي أن الوعي ناتج عن طبيعة عمل المخ ، وهو ناتج من نواتجه ، فالوعي عبارة عن عمليات فيزيائية (نبضات عصبية كهربائية) ، وتفاعلات كيميائية ،
والوعي يرتبط بالإحساس بمؤثرين هما (الإحساس بالزمن والذاكرة) ، وهذين الشرطين الأساسيين للوعي يفقدهما الإنسان في حالة النوم أو التخدير ، ثم تسترجع في حالة الصحوة ،
فالإحساس بالزمن هو الذي يجعل الإنسان يمتلك إستقلالاً عن البيئة المحيطة به وهذا شرط أساسي لوعيه بما حوله ،
أما الذاكرة فإنها هي الرصيد الذي يتكون منه الإنسان ويشكل (الأنا) لديه ، وهذا من أساسيات الشعور بالنفس الذي يؤدي إلى الوعي بالذات ،
* كيف يعمل الدماغ وكيف ينتج ، ويخزن ، ويسترجع المشاعر ؟! :
يعمل المخ بآلية توليد نبضات (عصبية كهربائية) بتحريض من تفاعلات فيزيائية جزيئية ، تنقلها الأعصاب كأوامر مشفرة ، كما يقوم بإنتاج مواد كيميائية ، تتعرف عليها الخلايا العصبية ، وتترجمها إلى مشاعر ، ويتم تخزين هذه المواد الكيميائية ، والرجوع لها عند الحاجة ، فالذكريات عبارة عن مواد كيميائية تحمل شيفرة لكل موقف ومشهد وصوت ورائحة ، يتم إستدعائها عند الحاجة ، إما بسبب ذكريات مشابهة للمقارنة ، أو بسبب تكرار موقف معين وعندها تتدفق كل المواد الكيميائية التي تم تشفير خصائص هذا الموقف فيها ، بكل ما يميز هذا الموقف من مشاهد بصرية وسمعية ولمسية وغيرها ...
تنتج مشاعر الحب بسبب قيام المخ بإفراز مواد كيميائية ، يشتد تركيزها كلما كان المحبوب قريباً ، ويقل تركيز هذه المواد بسبب بعد المحبوب ، ولذلك يقول المثل العامي :
(البعيد عن العين بعيد عن القلب) ،
وعندما يفقد شخصاً ما ، شخصاً آخر يحبه ، فإن تركيز المواد التي تحمل مشاعر الحب لهذا الشخص  يزداد ، مما يسبب حدة المشاعر المختزنة وضهورها على السطح ، فيحدث الحزن ، ولكن ومن نعمة الله الرحيم بعباده فإن تركيز هذه المواد يقل مع مرور الزمن ، فيما يعرف بظاهرة (النسيان) ،
فالنسيان نعمة من نعم الله كما يقول المثل :
(النسيان نعمة) ،
وينطبق ذلك على جميع المشاعر الأخرى.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

نرحب بجميع وجهات النظر
فلا تبخلوا بتعليقاتكم