الأزد
قبيلة الأزد بن الغوث إحدى كبريات قبائل كهلان قد سكنت أرض مأرب , وسيطرت بواسطة ملوك سبأ على كثير من أجزاء اليمن . ( قال ياقوت الحموي في " معجم البلدان " سبأ أرض باليمن مدينتها مأرب وسُمّيت هذه الأرض بهذا الاسم لأنّها كانت منازل ولد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان , ويقال : سبأ رجل ولد عشرة بنين فسمّيت القرية باسم أبيهم , ) , ( وذكر السمعاني في كتابه " الأنساب " عن فروة بن مسيك المرادي رضي الله عنه قال : أسلمت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجلست معه يوماً واحداً فسأله رجل عن سبأ أرجل هو أم امرأة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس بامرأة ولا أرض ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة , فأما الذين تيامنوا فكندة وإنمار ـ وهو الذي منه بجيلة وخثعم ـ والأزد وحمير ـ وعك والأشعريون , وأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وعاملة وغسان . ) . وبعد إنهيار سدّ مأرب بدأت هجرة الأزد من مأرب وكان الدافع لقبيلة الأزد لمغادرة مأرب هو إنتجاع أرض أخرى بدلاً عن مأرب التي انهار سدّها وأجدبت أرضها , فنزح فرع منها إلى عُمان وبعضهم إلى السّراة وتهامة والحجاز , وانتشرت من هذه القبائل فروع في شمال الجزيرة العربية وسوريا والسهل الخصيب غربي الفرات حيث اتصلوا بإخوانهم الكهلانيين وتحالفوا معهم , وكانت قبيلة الغساسنة الأزدية قد أسست لها دولة بالشام , وقد ظلت هذه الدولة قائمة حتى جاء الفتح الإسلامي الذي أتاح للأزديين عموماً النفوذ إلى مصر واستيطان الفسطاط وما يسمى بسويقة العراقيين , ومنهم من نزل بجوار قضاعة ولخم وحمير وجهينة من أرض الصعيد . وفي أعقاب الفتح الإسلامي إتجه فريق من الأزد إلى خراسان , وكان في إنتقالهم إليها تعزيزاً لجانب القبائل العربية الأخرى التي كانت في نزاع دائم مع قبائل الفرس , كما كان لهم ضلع كبير في دعم ثورة أبي مسلم الخراساني ضد الأمويين وانتصار الدولة العباسية , كما يعود إليهم انتصار الدولة الأموية قبل ذلك وفي الأزد يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه :
ومن يك عنا معشر الأزد سائلاً
فإنا بنوالغوث من نبت بن مالك
إبن زيد بن كهلان نما سبأ له
إلى يشجب فوق النجوم الشوابك
خروج الأزد
خرج الأزد من موطنهم باليمن في نهاية القرن الرابع الميلادي بعد إنهيار سد مأرب وسيل العرم فخرجوا من جنتي مأرب يسيرون في الأرض فوصلوا مكة وبها يومئذ جرهم بن قحطان فأقامت الأزد بمكة مدة ثم إفترقوا منها فرقاً لضيق العيش بها فكانت كل فرقة منهم بأرض وبلاد , فمنهم من نزل السروات ثم افترقوا من السروات فسار بعضهم إلى عُمان وأقام منهم من أقام بالسروات ونزل بعضهم السهل ومنهم من تخلف بمكة وما حولها ومنهم من سار إلى يثرب ومنهم من قصد العراق . وسار ثعلبة وجفنة أبنا عمرو بن عامر ومن بقي من إخوتهم وقومهم فنزلوا بالمشلل بين قديد والجحفة فأقاموا به زمانا ثم نهضوا حتى لحقوا بأرض الشام فنزلوا حوران وأذرعات وقرن الثنية في نواحي الجنوب الشرقي من أرض دمشق .
وذكر المسعودي في كتابه " مروج الذهب ومعادن الجوهر " سبب خروج الأزد من مأرب وهو : أن ملك بلاد سبأ في مأرب الملك عمرو بن عامر له أخ كاهن عقيم , يقال له عمران , وكان لعمرو كاهنة من أهله من حمير يقال لها طريفة الخير . فكان أول شيء وقع بمأرب وعرف من سيل العرم أن عمران الكاهن أخا عمرو رأى في كهانته أن قومه سوف يمزقون كل ممزق ويباعد بين أسفارهم , فذكر ذلك لأخيه عمرو , وهو الملك مزيقياء الذي كانت محنة القوم في أيام ملكه , وبينا طريفة الكاهنة ذات يوم نائمة , إذ رأت فيما يرى النائم أن سحابة غشيت أرضهم وأرعدت وأبرقت , ثم صعقت فأحرقت ما وقعت عليه , ووقعت إلى الأرض , فلم تقع على شيء إلاّ أحرقته . ففزعت طريفة لذلك , وذعرت ذعراً شديداً , وانتبهت وهي تقول : ما رأيت مثل اليوم , قد أذهب عني النوم , رأيت غيما أبرق , وأرعد طويلا ثم أصعق , فما وقع على شيء إلاّ أحرق , فما بعد هذا إلاّ الغرق . فلما رأوا ما داخلها من الرعب خفضوها وسكنوا جأشها حتى سكنت . ثم إن عمرو بن عامر دخل حديقة من حدائقه ومعه جاريتان له , فبلغ ذلك طريفة فأسرعت نحوه , وأمرت وصيفا لها يقال له سنان أن يتبعها , فلما برزت من باب بيتها عارضها ثلاث مناجد منتصبات على أرجلهن واضعات أيديهن على أعينهن , وهي دواب تشبه اليرابيع يكن بأرض اليمن . فلما رأتهن طريفة وضعت يدها على عينها وقعدت , وقالت لوصيفها : إذا ذهبت هذه المناجد عنا فأعلمني . فلما ذهبت أعلمها , فانطلقت مسرعة . فلما عارضها خليج الحديقة التي فيها عمرو وثبت من الماء سحلفاة , فوقعت على الطريق على ظهرها وجعلت تريد الانقلاب فلا تستطيع , فتستعين بذنبها وتحثو التراب على بطنها وجنبها وتقذف بالبول . فلما رأتها طريفة جلست إلى الأرض , فلما عادت السحلفاة إلى الماء مضت طريفة إلى أن دخلت على عمرو الحديقة حين انتصف النهار في ساعة شديد حرها , فإذا الشجر يتكفأ من غير ريح , فنفذت حتى دخلت على عمرو ومعه جاريتين له على الفراش . فلما رآها استحيا منها , وأمر الجاريتين فنزلتا عن الفراش , ثم قال لها : هلمي يا طريفة إلى الفراش . فتكهنت , وقالت : والنور والظلماء , والأرض والسماء , إن الشجر لتالف , وسيعود الماء لما كان في الدهر السالف . فقال عمرو : من خبرك بهذا ؟ قالت : أخبرني المناجد , بسنين شدائد , يقطع فيها الولد والوالد . قال : ما تقولين ؟ قالت : أقول قول الندمان لهفا , قد رأيت سلحفا , تجرف التراب جرفا , وتقذف بالبول قذفا , فدخلت الحديقة فإذا الشجر يتكفا . قال عمرو : وما ترين ذلك ؟ قالت : هي داهية ركيمة , ومصائب عظيمة , لأمور جسيمة . قال : وما هي ؟ ويلك ! قالت : أجل إن لي الويل , ومالك فيها من نيل , فلي ولك الويل , مما يجيء به السيل . فألقى عمرو نفسه على الفراش وقال : ما هذا يا طريفة ؟ قالت : هو خطب جليل , وحزن طويل , وخلف قليل , والقليل خير من تركه . قال عمرو : وما علامة ذلك ؟ قالت : تذهب إلى السد فإذا رأيت جرذا يكثر بيديه في السد الحفر , ويقلب برجليه من الجبل الصخر , فاعلم أن النقر عقر , وأنه وقع الأمر . قال : وما هذا الأمر الذي يقع ؟ قالت : وعد من الله نزل , وباطل بطل , ونكال بنا نزل , فبغيرك يا عمرو فليكن الثكل . فانطلق عمرو إلى السد يحرسه , فإذا الجرذ يقلب برجليه صخرة ما يقلبها خمسون رجلا . فرجع إلى طريفة فأخبرها الخبر وهو يقول :
أبصرت أمرا عادني منه ألم
وهاج لي من هوله برح السقم
من جرد كفحل خنزير الأجم
أو تيس مرم من أفاريق الغنم
يسحب صخرا من جلاميد العرم
له مخاليب وأنياب قضــــم
ما فاته سحلا من الصخر قصم
كانمأ يرعى حظيراً من سلم
فقالت له طريفة : إن من علامة ما ذكرت لك أن تجلس في مجلسك بين الجنتين , ثم تأمر بزجاجة فتوضع بين يديك , فإنها ستمتلئ بين يديك من تراب البطحاء من سهلة الوادي ورمله , وقد علمت أن الجنان مظلة ما يدخلها شمس ولا ريح . فأمر عمرو بزجاجة فوضعت بين يديه , فلم يمكث إلاّ قليلا حتى امتلأت من تراب البطحاء . فذهب عمرو إلى طريفة فأخبرها بذلك , وقال : متى ترين هلاك السد ؟ قالت : فيما بينك وبين السبع السنين . قال : ففي أيها يكون ؟ قالت : لا يعلم ذلك إلاّ الله تعالى , ولو علمه أحد لعلمته . ولا يأتي عليك ليلة فيما بينك وبين السبع السنين إلاّ ظننت هلاكه في غدها أو في تلك الليلة . ورأى عمرو في النوم سيل العرم , وقيل له : إن آية ذلك أن ترى الحصباء قد ظهرت في سعف النخل . فذهب إلى كرب النخل وسعفه فوجد الحصباء قد ظهرت فيها , فعلم أن ذلك واقع بهم وأن بلادهم ستخرب , فكتم ذلك وأخفاه , وأجمع أن يبيع كل شيء له بأرض سبأ , ويخرج منها هو وولده . ثم خشي أن يستنكر الناس ذلك , فعمل عمرو بن عامر حيلة للخروج من بلاده , فصنع طعاماً وأمر بإبل فنحرت , وبغنم فذبحت , وصنع طعاما واسعا , ثم بعث إلى أهل مأرب أن عمرا صنع يوم مجد وذكر فاحضروا طعامه . ثم دعا ابنا له يقال له مالك ويقال : بل كان يتيما في حجره فقال : إذا جلست أطعم الطعام الناس فاجلس عندي ونازعني الحديث , واردده عليّ , وافعل بي مثل ما أفعله بك . وجاء أهل مأرب , فلما جلسوا أطعم الناس وجلس عنده الذي أمره بما أمره به , فجعل ينازعه الحديث ، ويرد عليه ، فضرب عمرو وجهه وشتمه ، فصنع الصبي بعمرو مثل ما صنع به ، فقام عمرو وصاح : واذلاه ، يوم فخر عمرو ومجده يضرب وجهه صبي . وحلف ليقتلنه ، فلم يزالوا بعمرو حتى تركه . ففي ذلك قال حاجر الأزدي :
يا رب لطمة غدر قد سخنت بها
بكف عمرو التي بالغدر قد غرقت
ثم قال : والله لا أقيم ببلد صنع هذا بي فيه ، ولأبيعن عقاري فيه وأموالي ، فقال الناس بعضهم لبعض : إغتنموا غضبة عمرو ، واشتروا منه أمواله قبل أن يرضى . فابتاع الناس منه جميع ماله بأرض مأرب . وفشا بعض حديثه فيما بلغه من شأن سيل العرم ، فخرج ناس من الأزد وباعوا أموالهم ، فلما أكثروا البيع إستنكر ذلك الناس ، فأمسكوا بأيديهم عن الشراء . فلما اجتمعت إلى عمرو بن عامر أمواله أخبر الناس بشأن سيل العرم ، فقال أخوه عمران الكاهن : قد رأيت أنكم ستمزقون كل ممزق ، ويباعد بين أسفاركم ، وإني أصف لكم البلدان فاختاروا أيها شئتم ، فمن أعجبه منكم صفة بلد فليصر إليها : من كان منكم ذا هم بعيد ، وجمل شديد ، ومزاد جديد ، فليلحق بقصر عُمان المشيد ... فكان الذين نزلوه أزد عُمان . قال : ومن كان منكم ذا هم غير بعيد ، وجمل غير شديد ، ومزاد غير جديد ، فليلحق بالشعب من كرود . قال : وهي أرض همدان ... فلحق به وادعه بن عمرو ، فاقتسموا فيهم . فقال الكاهن : ومن كان منكم ذا حاجة ووطر ، وسياسة ونظر ، وصبر على أزمات الدهر ، فليلحق ببطن مر وكان الذين سكنوه خزاعة ، سميت بذلك لانخزاعها في ذلك الموضع عمن كان معها من الناس ، وهم بنو عمرو بن لحي ، فتخزعت هنالك إلى هذه الغاية . وفي ذلك يقول حسان بن ثابت :
ولما هبطنا بطن مر تخزعت
خزاعة منا في ملوك كراكر
في شعر له طويل . ومالك و أسلم وملكان بنو قصي بن حارثة بن عمرو مزيقياء . وقال الكاهن : ومن كان يريد الراسيات في الوحل ، المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل . وهي المدينة ، وكان الذين سكنوها الأوس والخزرج إبنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقياء . قال الكاهن : ومن كان يريد منكم الخمر والخمير ، والديباج والحرير ، والأمر والتدبير ، فليلحق ببصرى وحفير . وهي أرض الشام ، فكان الذين سكنوها غسان . قال الكاهن : ومن كان منكم يريد الثياب الرقاق ، والخيول العتاق ، والكنوز والأرزاق ، فليلحق بالعراق . وكان الذين لحقوا بالعراق منهم مالك بن فهم الأزدي وولده . ثم خرج عمرو بن عامر مزيقياء وولده ، من مأرب ، وخرج من كان بمأرب من الأزد يريدون أرضا تجمعهم يقيمون بها ، ففارقهم وادعة بن عمرو بن عامر مزيقياء ، فسكنوا همدان . وتخلف مالك بن اليمان بن فهم بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد ، وكان بعدهم بمأرب ملكا إلى أن كان من أمرهم ما كان من الهلاك . ثم ساروا حتى إذا كانوا بنجران تخلف أبو حارثة بن عمرو بن عامر مزيقياء ودعبل بن كعب بن أبي حارثة فانتسبوا في مذحج . ثم سار عمرو بن عامر حتى إذا كان بين السراة ومكة أقام هنالك أناس من بني نصر من الأزد ، وأقام معهم عمران بن عامر الكاهن أخو عمرو بن عامر مزيقياء ، وعدي بن حارثة ابن عمرو مزيقياء . وسار عمرو بن عامر وبنو مازن حتى نزلوا بين بلاد الأشعريين وعك على ماء يقال له غسان ، بين واديين يقال لهما زبيد ورمع ، وهما مما يلي صدورهما بين صعيد يقال له : صعيد الحسك وبين الجبال التي تدفع به في زبيد ورمع ، فأقاموا على غسان ، وشربوا منه ، فسموا غسان ، وغلب على أسمائهم ، فلا يعرفون إلا به ... قال حسان بن ثابت :
إما سألت فأنا معشر نجب
الأزد نسبتنا والماء غسان
والذين سموا غسان من بني مازن الأوس والخزرج ، إبنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقياء ، وجفنة بن عمرو مزيقياء ، والحارث وعوف وكعب ومالك بنو عمرو مزيقياء ، والنوم وعدي ابنا حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد . وللقوم أخبار في تفرقهم ، ومن دخل منهم في معد بن عدنان ، وما كان بينهم من الحروب إلى أن ظفرت بهم بنو معد ، فأخرجتهم إلى أن لحقوا بالسراة – والسراة جبل الأزد الذي هم به يقال لهم السراة ، ويقال له : الحجاز ، وإنما سمي السراة من هذا الجبل ظهره ، فيقال لظهره السراة كما يقال لظهر الدابة السراة – فأقاموا به وكانوا في سهله وجبله وما قاربه . وهو جبل على تخوم الشام ، وفرز بينه وبين الحجاز مما يلي أعمال دمشق والأردن وبلاد فلسطين ويلاقي جبل موسى .
كما ذكر هذه الحادثة في رحيل الأزد من مأرب محمود شكري الألوسي البغدادي في كتابه" بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب" . وذكر أبي العباس أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في كتابه " فتوح البلدان " بأن الأزد بعد سيل العرم خرجوا من مأرب وفي طريقهم إلى مكة تخلف قوم منهم في نجران فأتوا مكة وأهلها جرهم فنزلوا بطن مر وسألوا جرهم أن يعطوهم سهل مكة فأبوا فقاتلوا جرهم حتى غلبوهم وسكنوا مكانهم ولما ضاق عليهم العيش تفرقوا فذهبت طائفة منهم عُمان , وطائفة السراة , وطائفة الأنبار والحيرة , وطائفة الشام , وأقامت طائفة منهم بمكة , وذهب ثعلبة بن عمرو بن مزيقيا وولده ومن تبعه يثرب وسكانها اليهود فأخرجوهم منها ودخلوها وهم الأوس والخزرج .
كما ذكر أيضاً ياقوت الحموي في كتابه " معجم البلدان " سبب خروج الأزد من مأرب في حديث آخر يقارب ما ذكره المسعودي في كتابه " مروج الذهب ومعادن الجوهر " وهو : أن قبيلة الأزد قد خرجت من أرض سبأ في مدينة مأرب في اليمن قبل حادثة سيل العرم وتهدم سد مأرب بحيلة إحتالوها على من يسكن معهم من قبائل أخرى حتى يبيعوا أملاكهم التي في مأرب عليهم ثم يخرجون منها وذلك بسبب رؤيا شاهدتها كاهنة منهم , وذلك أن بلاد كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب وعامة بلاد حمير في أرض اليمن ساداتها من ولد حمير وولد كهلان وهم سادة اليمن في ذلك الزمان , وكان عمرو بن عامر الأزدي كبيرهم وسيدهم وهو جد الأنصار رضي الله عنهم فمات عمرو بن عامر قبل سيل العرم وصارت الرياسة إلى أخيه عمران بن عامر الكاهن , وكان عاقراً لا يولد له ولد , وكان جواداً عاقلاً , وكان له ولولد أخيه من الحدائق والجنان ما لم يكن لأحد من ولد قحطان , وكانت فيهم امرأة كاهنة تسمّى طريفة فأقبلت يوماً حتى وقفت على عمران بن عامر وهو في نادي قومه فقالت : والظلمة والضياء , والأرض والسماء , ليقبلن إليكم الماء , كالبحر إذا طما , فيدع أرضكم خلاء , تسفي عليها الصّبا , فقال لها عمران : ومتى يكون ذلك يا طريفة ؟ فقالت : بعد ستّ عدد , يقطع فيها الوالد الولد , فيأتيكم السّيل , بفيض هيل , وخطب جليل , وأمر ثقيل , فيخرّب الديار , ويعطل العشار , ويطيب العرار , قال لها : لقد فُجعنا بأموالنا ياطريفة فبيّني مقالتك , قالت : أتاكم أمر عظيم , بسيل لطيم , وخطب جسيم , فاحرسوا السّد , لئلا يمتدّ , وإن كان لا بدّ من الأمر المعدّ , انطلقوا إلى رأس الوادي , فسترون الجرذ العادي , يجر كل صخرة صيخاد , بأنياب حداد , وأظفار شداد . فانطلق عمران في نفر من قومه حتى أشرفوا على السّدّ , فإذا هم بجرذان حمر يحفرن السدّ الذي يليها بأنيابها فتقتلع الحجر الذي لا يستقلّه مائة رجل ثم تدفعه بمخاليب رجليها حتى يّسد به الوادي مما يلي البحر ويفتح مما يلي السدّ , فلما نظروا إلى ذلك علموا أنها قد صدقت , فانصرف عمران ومن كان معه من أهله , فلما استقرّ في قصره جمع وجوه قومه ورؤساءهم وأشرافهم وحدّثهم بما رأى وقال : اكتموا هذا الأمر عن إخوتكم من ولد حمير لعلّنا نبيع أموالنا وحدائقنا منهم ثم نرحل عن هذه الأرض , وسأحتال في ذلك بحيلة , ثم قال لابن أخيه حارثة : إذا اجتمع الناس إليّ فإني سآمرك بأمر فاظهر فيه العصيان فإذا ضربت رأسك بالعصا فقم إليّ فالطمني , فقال له : كيف يلطم الرجل عمّه ! فقال : افعل يابنيّ ما آمرك فإن في ذلك صلاحك وصلاح قومك , فلما كان من الغد اجتمع إلى عمران أشراف قومه وعظماء حمير ووجوه رعيته مسلّمين عليه , فأمر حارثة بأمر فعصاه فضربه بمخصرة كانت في يده فوثب إليه فلطمه فأظهر عمران الأنفة والحمية وأمر بقتل ابن أخيه حتى شفع فيه , فلما أمسك عن قتله حلف أنه لا يقيم في أرض امتهن بها ولا بدّ من أن يرتحل عنها , فقال عظماء قومه : والله لا نقيم بعدك يوماً واحداً ! ثم عرضوا ضياعهم على البيع فاشتراها منهم بنو حمير بأعلى الأثمان وارتحلوا عن أرض اليمن فجاء بعد رحيلهم بمديدة السيل وكان ذلك الجرذ قد خرّب السدّ فلم يجد مانعاً فغرّق البلاد حتى لم يبق من جميع الأرضين والكروم إلا ما كان في رؤوس الجبال والأمكنة البعيدة مثل ذمار وحضرموت وعدن ودهُيت الضياع والحدائق والجنان والقصور والدور وجاء السيل بالرمل وطمّها فهي على ذلك إلى اليوم , وباعد الله بين أسفارهم كما ذكروا فتفرّقوا عباديد في البلدان , ولما انفصل عمران وأهله من بلد اليمن عطف ثعلبة العنقاءُ بن عمرو بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امريء القيس البطريق ابن ثعلبة البهلول بن مازن بن الأزد بن الغوث نحو الحجاز فأقام ما بين الثعلبية إلى ذي قار وباسمه سميت الثعلبية فنزلها بأهله وولده وماشيته ومن يتبعه فأقام ما بين الثعلبية وذي قار يتتبع مواقع المطر , فلما كبر ولده وقوي ركنه سار نحو المدينة وبها ناس كثير من بني إسرائيل متفرّقون في نواحيها فاستوطنوها وأقاموا بها بين قريظة والنضير وخيبر وتيماء ووادي القرى ونزل أكثرهم بالمدينة إلى أن وجد عزّة وقوّة فأجلى اليهود عن المدينة واستخلصها لنفسه وولده فتفرق من كان بها من اليهود وانضموا إلى إخوانهم الذين كانوا بخيبر وفدك وتلك النواحي وأقام ثعلبة وولده بيثرب فابتنوا فيها الآطام وغرسوا فيها النخل فهم الأنصار الأوس والخزرج أبناء حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء وانخزع عنهم عند خروجهم من مأرب حارثة ابن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء وهو خزاعة فافتتحوا الحرم وسكانه جرهم وكانت جرهم أهل مكة فطغوا وبغوا وسنّوا في الحرم سنناً قبيحة وفجر رجل منهم كان يسمى إساف بامرأة يقال لها نائلة في جوف الكعبة فمسخا حجرين , وهما اللذان أصابهما بعد ذلك عمرو بن لحيّ ثم حسّن لقومه عبادتهما ، كما ذكرته في إساف ، فأحب الله تعالى أن يخرج جرهم من الحرم لسوء فعلهم ، فلما نزل عليهم خزاعة حاربوهم حرب شديدة فظفّر الله خزاعة بهم فنفوا جرهم من الحرم إلى الحل فنزلت خزاعة الحرم ثم أن جرهم تفرّقوا في البلاد وانقرضوا ولم يبقى لهم أثر ، ففي ذلك يقول شاعرهم :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ، ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا
صروف الليالي والجدود العواثر
وكنا ولاة البيت من قبل نابت
نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
وعطف عمران بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء مفارقا لأبيه وقومه نحو عُمان وقد كان انقرض بها من طسم وجديس إبني إرم فنزلها وأوطنها وهم أزد عُمان منهم العتيك آل المهلّب وغيرهم ، وسارت قبائل نصر بن الأزد وهم قبائل كثيرة منهم دوس رهط أبي هريرة وغامد وبارق و أحجن والجنادبة وزهران وغيرهم نحو تهامة فأقاموا بها وشنؤوا قومهم أو شنئهم قومهم إذ لم ينصروهم في حروبهم أعني حروب الذين قصدوا مكة فحاربوا جرهم والذين قصدوا المدينة فحاربوا اليهود فهم أزد شنؤة ، وسار جفنة بن عمرو بن عامر إلى الشام وملكوها فهذه الأزد
والأزد : منهم الأوس والخزرج بالمدينة الذين ناصروا الرسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به فسمّاهم الأنصار رضي الله عنهم أجمعين , كما أن وفد الأزد من الوفود التي قدمت على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد مجيء الإسلام فاسلموا وآمنوا به وجاهدوا في نشر الإسلام بين قومهم ومن يليهم . فقد ذكر أبي بكر الجزائري في كتابه" هذا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يا محب " : أن سُويد بن الحارث الأزدي قال وفدت سابع سبعة من قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخلنا عليه وكلمناه فأعجبه ما رأى من سمتنا وزينا قال : ( ما أنتم ؟ ) قلنا مؤمنون فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( إن لكل قول حقيقة فما حقيقة قولكم وإيمانكم ؟ ) قلنا خمس عشرة خصلة , خمس منها أمرتنا بها رسلك , أن نؤمن بها وخمس أمرتنا أن نعمل بها , وخمس تخلقنا بها في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما الخمسة التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها ؟ ) قلنا أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت . قال : ( وما الخمسة التي أمرتكم أن تعملوا بها ؟ ) قلنا أمرتنا أن نقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ونقيم الصلاة ونؤتى الزكاة ونصوم رمضان ونحج البيت من استطاع إليه سبيلا , فقال : ( وما الخمسة التي تخلقتم بها في الجاهلية ؟ ) قالوا : الشكر عند الرخاء , والصبر عند البلاء , والرضا بمُرّ القضاء , والصدق في مواطن اللقاء , وترك الشماتة بالأعداء , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء ) ثم قال : ( وأنا أزيدكم خمساً فيتم لكم عشرون خصلة إن كنتم كما تقولون , فلا تجمعوا ما لا تأكلون , ولا تبنوا ما لا تسكنون , ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غداً تزولون , واتقوا الذي إليه ترجعون , وعليه تعرضون , وارغبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون ) , وانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظوا وصيّته وعملوا بها . كما ذكر ابن هشام في " كتابه السيرة النبوية " : أن صُرُد بن عبد الله الأزدي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأسلم , وحسن إسلامه , في وفد من الأزد , فأمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه . وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبل اليمن , كما ذكر ذلك أيضا الحافظ أبي الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري في كتابه السيرة النبوية " عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير " .
وذكر الحافظ زين الدين أبي الفضل عبدالرحيم بن الحسين العراقي في كتابه " محجة القرب إلى محبة العرب " في فضل الأزد , عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( نعم القوم الأزد , نقية قلوبهم , بارة أيمانهم , طيبة أفواههم ) .
نسب الأزد :
الأزد هم : بنو الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان .
والأزد بن الغوث : قد ولد له من الأبناء : مازن بن الأزد , ونصر بن الأزد , وعمرو بن الأزد , وعبد الله بن الأزد , والهنو بن الأزد , وقدار بن الأزد , والأهيوب بن الأزد . وجميع قبائل الأزد منهم .
قال الشاعر :
ومعي مقاول حمير وملوكها
والأزد أزد شنوءة وعُمان
أمر عمرو بن عامر في خروجه من اليمن وقصة سد مأرب
عمرو (مزيقياء) بن عامر (ماء السماء) بن حارثة (الغطريف)بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة (البهلول) بن مازن بن الأزد، من قحطان، ملك جاهلي يماني، من التبابعة. قيل : هو أعظم ملك بمأرب. كان له تحت السد من الحدائق مالا يحاط به، وكانت الجارية تمشى من بيتها وعلى رأسها مكتل فيمتلئ فاكهة من غير أن تمس شيئاً منها. وكانت له ولآبائه من قبله بادية كهلان (باليمن) تشاركهم حِمْير، ثم إستقلوا بالملك من بعد حمير. ومزيقياء -ويقال له (البهلول) أيضاً- هو جدّ الأنصار، قال حسان بن ثابت:
لله درّ عصابةٍ نادمتهم
يوماً بجـِلَّقَ في الزمان الأولِ
أولاد جفنة حول قبر أبيهمُ
قبر ابن مارية الكريم المفضلِ
يسقون من ورد البريص عليهمُ
برَدى يصفّق بالرحيق السلسلِ
بـِيضُ الوجوه كريمةُ أحسابهم
شمَ الأنوف من الطراز الأولِ
يغشون حتى ما تهرّ كلابهم
لا يسألون عن السواد المقبلِ
وضعفت الدولة في أيامه، فتغلب بدو كهلان على أرض سبأ، وعاثوا وأفسدوا، فذهب الحفظة القائمون بصيانة (السدّ) بمأرب، وأهمل أمره فخرب، وبدأت هجرة الأزد من تلك الديار، ورحل عمرو (مزيقياء) بجموع منهم فنزلوا بماء "غسان" ثم انتقلوا إلى وادي عك وفيه اعتلّ مزيقياء ومات. وتفرق الأزد، فكان منهم ملوك "غسان" بالشام، وأولهم جفنة بن عمرو بن عامر، وأزد شنوءة نزلوا بجبال السراة، وآخرون نزلوا بمكةهم خزاعة وغيرهم.
وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن فيما حدثني أبو زيد الأنصاري أنه رأى جرذاً يحفر في سد مأرب الذي كان يحبس عليهم الماء فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك فاعتزم على النقلة من اليمن ، فكاد قومه فأمر أصغر ولده إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه ففعل ابنه ما أمره به فقال عمرو : لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدي ، وعرض أمواله فقال أشراف من أشراف اليمن : اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا منه أمواله . وانتقل في ولده وولد ولده . وقالت الأزد : لا نتخلف عن عمرو بن عامر ، فباعوا أموالهم وخرجوا معه فساروا حتى نزلوا بلاد عك مجتازين يرتادون البلدان . فحاربتهم عك ، فكانت حربهم سجالا . ففي ذلك قال عباس بن مرداس البيت الذي كتبنا ، ثم ارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلدان فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام ، ونزلت الأوس والخزرج يثرب ، ونزلت خزاعة مكة ، ونزلت أزد السراة السراة . ونزلت أزد عمان عمان . ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه ففيه أنزل الله تبارك وتعالى على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ( سبأ : 15 16 ) .
والعرم : السد ، واحدته عرمة فيما حدثني أبو عبيدة .
قال الأعشى : أعشى بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد قال ابن هشام : ويقال أفصى بن دعمي بن جديلة واسم الأعشى : ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة :
وفي ذاك للمؤتسي أسوة
ومأرب عفى عليها العرم
رخام بنته لهم حمير
إذا جاء مواره لم يرم
فأروى الزروع وأعنابها
على سعة ماؤهم إذ قسم
فصاروا أيادي ما يقدرون
منه على شرب طفل فطم
وهذه الأبيات في قصيدة له .
وقال أمية بن أبي الصلت الثقفي - واسم ثقيف : قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
من سبأ الحاضرين مأرب إذ
يبنون من دون سيله العرما
وهذا البيت في قصيدة له . وتروى للنابغة الجعدي واسمه قيس بن عبد الله أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن .
أبناء عمرو بن عامر:
فهذا مختصر كاف في أنساب الأوس والخزرج.
الكتاب : نهاية الأرب في فنون الأدب
المؤلف : النويري
وأما حارثة بن عمرو مزيقياء، فأعقب من أربع أفخاذ : عمرو بن ربيعة بن حارثة وهو أبو خزاعة؛ وإنما قيل لهم خزاعة : لأنهم إنخزعوا من بني عمرو مزيقياء بن عامر، والإنخزاع التقاعس والتخلف، فأقاموا بمر الظهران بجنبات الحرم وولوا حجابة البيت دهراً وهم حلفاء بني هاشم؛ وقد إختلف النسابون في خزاعة بعد إجماعهم على أنهم ولد عمرو بن لحي وأن خزاعة هو كعب بن عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف، وهو إبن الياس بن مضر؛ وعمرو بن لحي : هو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لأكثم بن أبي الجون الخزاعي: يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار، ما رأيت رجلاً أشبه منه برجل منك، فقال أكثم: أيضرني شبهه يا رسول الله؟ فقال: لا، لأنك مسلم وهو كافر والقصب : الحشوة من الأمعاء وهو المصران؛ وكان عمرو بن لحي أول من غير دين إسماعيل عليه السلام، فنصب الأوثان وسيب السائبة وبحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحامي. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: نزل القرءان بلغة الكعبين: كعب بن لؤي وكعب بن عمرو بن لحي، وذلك أن دارهم كانت واحدة، وأفصى بن حارثة بن عمرو مزيقياء وعدي بن حارثة وعمرو بن حارثة.
فأما عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء، قال شيخنا شيخ الشرف : عمرو هو خزاعة نفسه أعقب من خمس أفخاذ : كعب وسعد وعدي ومليح وهو لحي : بطن كثير بن عبد الرحمن الشاعر، وعوف بن عمرو وخزاعة.
فأما كعب بن عمرو خزاعة بن ربيعة، فأعقب من ست أفخاذ: وهم منقذ وسلول وحبشية ومطرود ومازن وسعد: أولاد كعب بن عمرو خزاعة.
فأما سلول بن كعب، وإليه ينسب كل سلولي، فأعقب من ثلاث أفخاذ: حبشية وعدي وحرمز، فأعقب حبشية بن سلول من قمير وضاطر وكليب وحليل وغاضرة : بنيه لصلبه. وأعقب عدي بن سلول من حبير وهينة وحريز: بني عدي.
وأما حبشية بن كعب بن عمرو خزاعة، فأعقب من ابنيه لصلبه: غاضرة وحرام.
وأما سعد بن عمرو وهو خزاعة، فأعقب من ثلاث قبائل: بني المصطلق، وبني عامر وبني الكاهن.
وأما أفصى بن حارثة بن عمرو مزيقياء، فإنه أعقب من أسلم: بطن في آخرين: وهم ملكان وزيد وعمرو وعدي وجهادة وحطاب وسوادة وجريش وامرؤ القيس وصهيبة وجشم. فمن بني أسلم بن أفصى: سلامان : فخذ، وهوزن : فخذ : إبنا أسلم بن أفصى، ومن ملكان، بالفتح، بن أفصى : غبشان بن ملكان: فخذ، منهم : ذو الشمالين المقتول ببدر.
وأما عديّ بن حارثة بن عمرو مزيقياء، فأعقب من سعد بارق، ونزل بماء بالسراة أيام سدّ مأرب يسمَّى بارق، وقيل: هو جبل. وقيل: بل تبعوا البرق فسموا بذلك وعمرو وعوف: بني عديّ.
وأما عمران بن عمرو مزيقياء، فأعقب الأسد والحجر إبنيه لصلبه ؛ فأعقب الأسد من ثلاث أفخاذ : العتيك وشُهيل والحارث : بني الأسد. فمن ولدالعتيك : أسد بن الحارث بن العتيك : فخذ، ووائل بن الحارث، وإليه ينسب المُهلِّب بن أبي صفرة.
وأما الحجر بن عمران بن عمرو مزيقياء، فأعقب من أربع أفخاذ: زيد مناة ومرحوم وعمرو وسود: أولاده لصلبه؛ فأعقب عمرو بن الحجر من ابنه رباب.
وأما كعب بن عمرو مزيقياء، فأعقب من خمس أفخاذ: السموءل وحنظلة وثعلبة ومالك وقاتل الجوع: أولاد كعب بن عمرو.
وأما عمرو بن حارثة بن عمرو مزيقياء، فأعقب من ثلاث أفخاذ : حارثة والرَّبعة وملادس : بني عمرو.
وأما جفنة بن عمرو مزيقياء، فهم ملوك الشام. والعقب من جفنة من ثلاث أفخاذ : كعب ورفاعة والحارث: بني جفنة في آخرين.
فالعقب من كعب بن جفنة بن مزيقياء، من أُمام والحارث: إبنيه لصلبه؛ ومن ولد أُمام : جبلة بن الأيهم بن عمرو بن جبلة بن الحارث الأعرج بن جبلة بن الحارث الأوسط بن ثعلبة بن الحارث الأكبر بن عمرو بن حجر بن هند بن أمام هذا بن كعب بن جفنة بن عمرو مزيقياء. وقيل: بل هو جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث الأكبر بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، وفيه اختلاف؛ وجبلة هو الذي تنصر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن رفاعة بن جفنة: السموءل بن أوفى بن عادياء بن رفاعة بن جفنة: بطن؛ وأعقب الحارث بن جفنة من المنذر بن النعمان بن الحارث: بطن، ومن الحسحاس ومنارة: ابني عوف بن الحارث: بطن. وجماعة من قبيلة الأرمن نصارى يزعمون أن جدّهم هيِّزٌ يرجع إلى جفنة غسّان.
الدواسر :
ومن ذرية ملك مأرب ، الأسد بن عمران بن عمرو بن عامر وكانت ذريته تسكن جبال القهر في تهامة ومن ذرية العتيك بن الأسد (الدوسر) بن عمران ، زايد جد الدواسر ، من ذرية عمران ، وولد عمران الأسد وهو دوسر جد قبيلة الدواسر والحجْر، فولد الأسد خمسة : العتيك بن الأسد وشهميل بن الأسد وأبا وائل الحارث بن الأسد وسلمة بن الأسد . سكن عمران في بادئ الأمر في جبال القهر ، ثم إنتقل بعض أولاده من ذرية العتيك بن دوسر وبعض ولد الحجْر بن عمران إلى عُمان . أما بقية اولاده فإنتقلوا إلى وادي الدواسر فيما بعد .
و كان يطلق على وادي الدواسر سابقاً وادي العقيق وعقيق جرم وكان سكانه الأصليين من قبائل بني عقيل تنازعهم فيه قبائل جرم من قضاعة وقصة منازعتهم معروفة تاريخياً عندما تحاكموا الى الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قدم الصحابي الجليل أسماء بن رياب الجرمي الى النبي وشكا له إعتداء بني عقيل عليهم فاحضرهم عليه الصلاة والسلام مع خصمهم أسماء وبعد سماع دعوى الطرفين قضى به لأسماء وقبيلة جرم الا أن بني عقيل لم ترض بحكم النبي صلى الله عليه وسلم ، بدليل شعر أسماء بن رياب حيث يقول :
واني أخو جرم كما قد علمتوا
إذا جمعت عند النبي المجامع
فان انتموا لم تقنعوا بقضائه
فإني بما قال النبـي لقانـع
وقد إستأثرت بنو عقيل بالأمر في الوادي دون جرم حتى القرن الخامس الهجري
وفي كتاب البداية والنهاية الجزء الخامس ص90 ذكر ابن كثير الآتي :
وفد بني عقيل بن كعب
ذكر الواقدي أنهم قدموا على رسول الله فاقطعهم العقيق عقيق بنى عقيل وهي أرض فيها نخيل وعيون وكتب بذلك كتابا بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله ربيعا ومطرفا وأنسا أعطاهم العقيق ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وسمعوا وطاعوا ولم يعطهم حقا لمسلم فكان الكتاب في يد مطرف قال وقدم عليه أيضا لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر بن عقيل وهو أبو رزين فأعطاه ماء يقال له النظيم وبايعه على قومه وقد قدمنا قدومه ). وقد أورد الهمداني في قصيدة عبدالله بن عبدالرحمن الأزدي وهي قصيدة طويلة في إفتراق الأزد وتحول بعض منهم إلى حياة البادية والتي من ضمنها :
أبعد الحي عمران بن عمرو
وبعد الأكرمين بني زياد
وبعد شنؤة الأبطال أضحت
بيوتهم ترفع بالعماد
فقد كانت بلادها عند ظهور الاسلام من منازل بني جرم من قضاعة, فكان الوادي يعرف بعقيق جرم فامتدت فروع من قبيلة عقيل بن عامر من قيس عيلان من عدنان, فزاحمت جرما في بلادها فعرف الوادي، ايضا بعقيق من عقيل ،
وفي عصور مجهولة في العهد الاسلامي نزحت فروع من الازد ومنهمدان من فحلت في الوادي منها من همدان من مرهبة الدوسر. عمران ، وولد عمران الأسد وهو دوسر جد قبيلة الدواسر والحجْر، فولد الأسد خمسة : العتيك بن الأسد وشهميل بن الأسد وأبا وائل الحارث بن الأسد وسلمة بن الأسد . سكن عمران في بادئ الأمر في جبال القهر ، ثم إنتقل بعض أولاده من ذرية العتيك بن دوسر وبعض ولد الحجْر بن عمران إلى عُمان . أما بقية اولاده فإنتقلوا إلى وادي الدواسر فيما بعد .
كانت منازلهم في القدم حول سد مأرب مع قومهم الأزد ثم انتقلوا منها قبل إنهيار السد مع الأزد يقودهم ملكهم وجدهم عمرو الملطوم بن عامر فنزل بنو الأسد بن عمران بلاد السراة كما حكاه الهمداني في صفة جزيرة العرب وفي القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجري تقريبا نزل بنو الأسد بن عمران وفرعها العتك وحفة القهر وحصل بينهم وبين بني نهد القضاعيين حروب فقد ذكر أبو علي الهجري قصيدة حربية للزهيري النهدي موجهة للمستنير العتكي والتي مطلعها :
فصدور صالة فالمسيل الأجوف
يا طول ليلك با لنخيل فبا قم
تصل الأنين بزفرة وتلهف
منع الرقاد به الهموم فحشوتي
إلى قوله :
لهفي بقلتنا و كثرة جمعكم
يوم البراق وأننا لم نضعف
وعند ذكر العتكي علق الهجري و قال العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو بن عامر الى مازن الأزدي وهم أهل وحفة القهر اخوة الأنصار ، وقال في موضع آخر قشير ونهد والعتيك هم أهل وحفة القهر ، وقد تضمنت قصيدة النهدي السالفة الذكر أسماء عدد من المواضع التي تقع في حواشي حبال القهر أو قريب منها كما تضمنت كثرة قوم المستنير في قوله (لهفي بقلتنا وكثرة جمعكم) ،
في قرابة القرن الخامس وأوائل القرن السادس تقريبا نزل الدواسر وادي العقيق وعند تفرق جرم وضعفها حلت مكانها عقيل فسمي الوادي عقيق بني عقيل وعند نزول الدواسر العقيق دارت بينهم وبين أهله معارك ضارية كانت الغلبه حليف الدواسر.
وفيها يقول السديري :
دار خذوها بالمراهيف عنوة
وهم نورها الساطع ينير ضياه
بني عقيل أخلوا مغاني ديارهم
بعد دمهم بأرض القيق سقاه
من غلمة ماباعوا العز والشرف
يوم الردي فعل الجميل نساه
تشهد مشاريف اليمامة بفعلهم
فعل تعد العالمين ثناه
ومنذ نزول الدواسر العقيق أطلق عليه وادي الدواسر الى يومنا هذا وقد صادفهم فيه القبول والنمو ومنه إنتشروا في أصقاع الجزيرة فنزلوا الأفلاج والخرج وبعض سدير والقصيم وآخرون نزلوا البحرين وعاد قسم منهم الى الخبر والدمام وسكن بعض الدواسر جنوب العراق بمنطقة تسمى باسمهم ، يقول الشيخ عبد الله بن خميس : (تعتبر مساكن الدواسر الان من أوسع مساكن القبائل وأخصبها وأكثرها مياها وأمراها واخصبها فيحدها جنوبا حدود اليمن الجنوبية وشملا منطقة عليه وجنوبي العرمه وجبال العارض وشرقا أسفل الدهناء وبلاد آل مرة وغربا بلاد الشيابين من عتيبة وبلاد قحطان ولم يزاحمهم في جدودهم الا نزعة من قبيلة السهول دخلت الدواسر بالحلف ونزلوا الغيل وستارة وحراضة وبعض وادي برك وما حوله وهؤلا هم القبابنة وعلى هذا فمساكن الدواسر اليوم تشمل قسما كبيرا من الربع الخالي ومن الدهناء ومن الجدول والبياض وهريسان ومارفع ذلك غربا إلى أسفل بيشة وتثليث وما صقبهما شمالاً وجنوباً).
يقول شاعرهم محدداً بلاد قبيلته :
لي ديرة قبليها في حوضا
وشماليها المشقوق والرقاش
وجنوبيها العد المسمى آل زايد
مضماة خرب ومن وراه مناش
سكانها ودايةٍ من جدارها
دواسر لا جت الدهور هشاش
ومما قيل في قبيلة الدواسر :
(وقبيلة الدواسر من القبائل البدوية يتتبعون مساقط الغيث ومراعي الماشية ويقطنون المناهل في القيظ ويملكون الأبل والخيل والماشية ويعطون البداوة حقها وحاضرة من ناحية أخرى لهم النخيل الهائلة الكثيرة والمدن والمزارع والبث والحرث).
ذكر المقر الشهابي بن فضل الله العمري وهو من أهل القرن الثامن في كتابه التعريف بالمصطلح الشريف أن السلطان محمد بن قولون يكتب للدواسر من عرب اليمن بشأن رغبته في شراء خيل تذكر لديهم ، وأنه كان يكتب إليهم بحسب ما يظهر بالإستخبار من مكانة الرجال ، وذكر عن إبن فضل الله العمري في كتابه (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) أن زعيم الدواسر رواء بن بدران . وذكرهم إبن المجاور (ت680هـ) في كتابه ( صفة بلاد اليمن والحجاز ) عن عرب جنوب نجد وخص الدواسر بأنهم أهل خيل وإبل .
ومن مشاهير العتيك بن الأسد المهالبة ، جدهم المهلب بن ابي صفرة الذي حارب الخوارج وكسر شوكتهم ووطد حكم بني أمية ، ومن أشهر اولاده يزيد بن المهلب والي العراق وخرسان في زمن بني أمية ثم ساءت علاقته مع الخليفة الأموي يزيد بن عبدالملك ، فهمّ أخوه مدرك بن المهلب بتجميع الأسد والخروج على بني أمية فحشدت له تميم لتقبض عليه وتسلمه للخليفة فحمته قبيلة الدواسر عام 101هـ . قال ثابت بن كعب العتكي الأسدي :
ألم تر دوسراً منعت أخاها
وقد حشدت لتقتله تميّم
رأوا من دونه الزرق العوالي
وحياً ما يباح لهم حريم
شنوءتها وعمران بن عمرو
هناك المجد والحسب الصميم
فما حلمو ولكن نهنهتم
رماح الازد والعز القديم
رددنا مدركاً بمرد صدق
وليس بوجهه منكم كلوم
وخيل كالقداح مسومات
لدى أرض مغانيها الجحيم
عليها كل أصيد دوسري
عزيز لا يفر ولا يريم
نعود لرحيل الأزد :
حيث يرى أكثر المؤرخين أن نزوح الأزد عن مأرب كان قبيل انهيار السد بزمن قليل في عهد عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن نحو سنة 115 قبل الميلاد، على إثر علامات ظهرت لهم تنذر بخرابه ، ومن المؤرخين من يرى أنهم نزحوا جميعًا عن مأرب في عهد عمرو المذكور بعد خراب السد، وغرق جناتهم، وذهاب أشجارهم، وإبدالهم خمطًا وأثلاً وشيئًا من سدر قليل.
ويشكك الشيخ حمد الجاسر في تحديد رحيل الأزد من اليمن بخراب السد، فيقول: "وانتقال تلك القبائل - أو جلها - من اليمن أمر معقول ومقبول، ولكن كونها انتقلت إثر خراب السد أمر مشكوك فيه، ذلك أن المتقدمين يؤرخون حادثة الخراب بأنها في عصر الملك الفارسي دارا بن بهمن، ودارا هذا هو الذي غزاه الإسكندر الكبير في منتصف القرن الرابع قبل الميلاد، والأدلة التاريخية والنقوش التي عثر عليها في أمكنة كثيرة في جنوب الجزيرة وشمالها، وفي أمكنة أخرى خارجها، تدل على انتشار كثير من تلك القبائل التي ورد ذكرها خارج اليمن قبل سيل العرم، وليس من المعقول أيضًا أن تلك الرقعة الصغيرة من الأرض، وهي مأرب تتسع لعدد كبير من السكان يتكون من قبائل ، والأمر الذي لا ريب فيه أن انتقال تلك القبائل كان في فترات متفرقة، وفي أزمان متباعدة، فعندما تضيق البلاد بسكانها ينتقل قسم منهم بحثًا عن بلاد تلائم حياتهم".
الخلاصة :
من هو الملطوم هل هو زايد أم عمرو ؟؟؟ :
من هنا يتضح بأن زايد قريب ووقته بعد ظهور الإسلام بعدة قرون أما عمرو بن عامر فزمنه قبل ظهور الإسلام بوقت طويل ويقال أنه بعد زمن المسيح عيسى بن مريم بفترة وعمرو بن عامر هو ملك مأرب الملطوم كما تشهد بذلك التواريخ والمؤرخون والرواة والأشعار والقصص المتداولة والمتناقلة منذ زمن الرسول ص وقبل ذلك ، وفي نفس الوقت يطلق الدواسر على جدهم زايد أحد أحفاد عمرو بن عامر المتأخرين لقب الملطوم .
فمن هو الملطوم ؟؟؟
في رأيي بأن الإحتمال الراجح هو تلقيب زايد بن دوسر (الأسد) بلقب جده عمرو (الملطوم) بن عامر وهذا يحدث كثيراً عند العرب فاللقب يورثه الآباء إلى الأبناء كما تورث أسماء القبائل والأسر .
وقد تكون حصلت لزايد حادثة لطم ثانية ولكن هذا الإحتمال غير مرجح .
فالخلاصة هي أن زايد هو زايد بن الملطوم وعلى عادة العرب العاميون في الإختصار أطلق عليه زايد الملطوم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق
نرحب بجميع وجهات النظر
فلا تبخلوا بتعليقاتكم